أنا سيدة في منتصف الأربعينيات من العمر.. أعمل اخصائية تحاليل متزوجة من محاسب ولدينا ثلاث بنات يسعي كل منا وبطريقته الخاصة إلي توفير حياة كريمة لهن ومستقبل باهر.. وإن حدثتك عن شخصيتي فهي تختلف كثيراً عن زوجي من حيث المرونة في التعامل مع الآخرين وحسن التدبير والمهارة في الجمع بين البيت والعمل أو أي مهام أخري مهما كبرت أو عظمت.. وأما زوجي فرغم أنه إنسان منظم ويعشق البيت ويتابع أحوال بناته في كل كبيرة وصغيرة وفي نفس الوقت لا يتورع عن ضربهن بمنتهي القسوة لاتفه الأسباب وفي المقابل لا يجدن مني سوي كل الاحتواء والتفاهم والاستيعاب.. وبمرور الوقت ومع تقدمهن في مراحل التعليم - كبري بناتي في الجامعة - اكتشفت أن زوجي نجح فيما فشلت أنا فيه حين استطاع رغم صلفه وحدته أن يضع سقفاً في تعاملهن معه أما أنا فكم أتألم من ردود فعلهن معي رغم إدراكهن كم حبي لهن وحرصي علي تجنيبهن أي صدام مع أبيهن لدرجة - خاصة طالبة الجامعة - أحاول مسايرتها في مزاولة بعض الأنشطة الثقافية الترفيهية أعلم تماماً أنها لن تروق لابيها فاخفيها عنه وأظل علي أعصابي في انتظار عودتها من هذه الرحلة أو تلك.. ومع هذا لا أجد في المقابل أي تقدير منها أو اخواتها الصغيرات فحواراتهن معي صارت أكثر ندية وتوجيهاتي باتت مزعجة. فالكلمة تقابل بالكلمة والرفض يسبق الموافقة.. إصرار منهن علي استفزازي وعدم الانصياع لكلامي لن أقول لأوامري لأنها جميعاً تصب في صالحهن وللأسف يفعلن معي ذلك وهن واثقات أنني لن أقدر علي تصعيد الأمر وشكواهن لأبيهن حيث اعتاد علي توبيخي لدرجة النيل مني وإلقاء اللوم عليّ في تدليلهن.. والمشكلة ليست في زوجي الذي تمرست علي طباعه وإنما في بناتي اللاتي لم يقدرن حجم عطائي ودفع غضب أبيهن عنهن.. وتذكرت نفسي حينما كنت في مثل عمرهن كم كنت ابنة مطيعة لأمي وأبي.. لا اجرؤ أن يعلو صوتي علي صوتهما أو أن أراجعهما في أمر من الأمور!! حقيقة لقد ضاقت بي وأشعر بالحزن العميق علي تجرؤ بناتي عليّ لعلمهن أنني لن أستعين بوالدهن - ولو كصديق - لفض ما بيني وبينهن من مشكلات. فبماذا تنصحينني؟ ع.س القاهرة المحررة: ما يحدث من بناتك هو أسلوب كثير من أبناء هذا الجيل الذي نشأ في ظروف مغايرة تماماً عن ظروف جيلنا جيل السبعينيات والثمانينيات.. جيل له مفرداته الخاصة التي تلائم طبيعة العصر المليء بالتقنيات الحديثة ووسائل التواصل التي جعلت من العالم قرية صغيرة وهذا لا يعني أبداً تقليلي من شأن شكواك إنما دعوة للتعرف علي أسباب هذا الاختلاف بين جيل تربي علي الطاعة والالتزام. وأبناء هذا الجيل الذي أراه - إلا من رحم ربي - قد فقد بوصلة الحوار اللائق مع الكبار والاستجابة لهم. ليس بحكم المؤثرات الخارجية العديدة التي تتجاذبهم من كل جانب فحسب وإنما لجهل من الأمهات والآباء أنفسهم لأساليب التربية الصحيحة مع الابناء وعدم الصبر عليهم!! وفي حالتك ايتها الأم المعذبة أري أنك قد ساهمت بشكل كبير في تبسط بناتك معك وتجرؤهن عليك في بعض الأحيان. مع أنك لا تقسين عليهن ولا تضربين بشدة وتحاولين فعل كل ما يرضيهن حتي لو أخفيت ذلك عن زوجك بدعوي أنه "لن يروق له" وهذا هو الخطأ الفادح والكبير الذي ارتكبتيه في حق نفسك. وعليك أن تكتوي به في كل لحظة حين ادخلت في قاموس حياتك عبارة "اخفيت عن أبيها" وهذا جرم في حد ذاته. مهما كانت الأسباب والدوافع وحين أمعنت في ممارسة دور حائط الصد بينهن وبين والدهن. إن ما تعانين منه الآن ما هو إلا صنعة يدك التي بها من العيوب الجسيمة ما يجعلها بحاجةپإلي "إعادة ضبط المصنع" - بلغة الإلكترونيات - ولتكن البداية بهدم حائط الصد الذي أقمتيه بين بناتك وأبيهن الذي بدون تفعيل دوره الحقيقي كرب أسرة يختل الميزان مثلما هو حال بيتك الآن أعانك الله بما فيه صالح أسرتك.