في مجموعتها القصصية الجديدة "أشياء مفقودة" تقبض الكاتبة والقاصة "ميرفت علي العزوني" علي العديد من القيم والمعاني التي نفتقدها الآن في حياتنا المعاصرة أو واقعنا الآتي. والمشار إليها في العنوان كما نري. وهي تقوم بذلك متوجهة إلي قارئها من خلال مجموعة من القصص القصيرة. وأحياناً القصيرة جداً والتي تتسم في المجمل ببساطة الانتقاء المشهدي وسلاسة التعبير اللغوي. واللافت للنظر أنها تفعل هذا من خلال نماذة بشرية محددة بل من خلال نموذجين فقط. هما "الطفل" و"الأم" ربما لتميز الأول بالبراءة والشفافية والصفاء مما يجعله أرضاً خصبة بكراً لتكون ونمو القيم والمعاني المطلوبة والمرجوة لكل منا في حياته ووجوده حتي يصبح أجمل وأرقي. وتميز الثانية بكل عام بسمات مؤكدة تتمثل في العطاء والمنح والحنان والرحمة والحب. مما يجعلها أقرب وأدني للاتصاف بالعديد من القيم والمعاني الضرورية للوجود الإنساني. ففي قصة "الكنز" تعرض الكاتبة لطفلة صغيرة تنازعها اللحاق والقبض علي "قصاصة ورق" وتضع أصابعها الغليظة في مقابل "أنامل الطفل الرقيقة" موصية في البداية بتغلبها حتماً عليها في القبض علي "القصاصة" إلا أنها. وبلغة رقيقة دالة تصور لنا شيئاً فشيئاً قوة عزيمة الطفلة. وشدة تصميمها وعزمها علي الانتصار والفوز. حتي نصل في الختام إلي انتزاع الطفلة لقصاصة الورق. وتغلب براءة الطفولة المقرونة بقوة الإرادة وصلابة العزيمة. وفي أقصوصة تالية بعنوان "انتماء" تمرر إلينا من خلال سطوراً قليلة قيمة "الانتماء" بمعناها الشامل والواسع مستخدمة تصويراً عابراً لمشهد عادي بسيط لطفل يصرخ بشدة عندما يترك البيت حتي لو لزيارة الأهل والأحباب. ولا يهدأ أو يعود إلي حالته الطبيعية من الهدوء والرضا إلاعند عودته مرة أخري إلي البيت ورؤيته واحتضانه لحاجاته وأشيائه التي أضحي بينها وبينه ارتباط قوي شديد لا يضعف يوماً أو يستكين. وننتقل إلي الحديث والعرض من خلال النموذج الآخر وهو "الأم" في قصة "الوسيط" والتي تظهر لنا مدي شفافية الأم ورهافة إحساسها ونقاء مشاعرها ونفاذ رؤاها. فهي هنا في هذا المشهد القصصي تقوم بالأعمال العادية في البيت من تنظيف وكنس وطهو وخلافه. وفجأة "ترف عينها اليمني" فتتوقف عن كل شيء تاركة تكملة تلك المهام لابنتها. وتأخذ في الدعاء "والحوقلة" توقعاً لشيء صادم سيحدث. ومع أن الظواهر والشواهد لكل من في البيت تبين غير ما تتوقعه الأم أو تخشي حدوثه. إلا أنه أخيراً تثبت صحةهذا التوقع عندما يدق جرس الباب. ويصطف الجميع لسماع الخبر الآتي! وعن نفس السمة تقريباً للأم تدور القصة التالية بعنوان "دفء" عندما تجتمع الأسرة كلها للجلوس حول التليفزيون. وفجأة تخبر الأم عن وجود حركة غريبة فوق سطح البيت. ويبحث الجميع عن مصدر الصوت دون جدوي ليصل الأمر بهم إلي السخرية من توهم الأم وتخيلها لما لا وجود له. وفي الصباح يصل الخبر باقتحام لص شقة الأخت المسافرة والمجاورة لهم وسرقتها! وفي قصة أخري بعنوان "شجرة" تحن الكاتبة إلي المنزل الذي كانت تعيش فيه مع أمها التي ماتت. فتذهب إليه وتعاود النظر والتعامل مع الأشياء فيه: مكتبة الأب. الكنبة التي كانت تتمدد عليها "الأم". صورة الأخ الأكبر الراحل. إلي أن تصل إلي "الشجرة" القابعة في منور المنزل والتي كانت الأم ترويها بانتظام وتتابعها باهتمام غريب لدرجة أنها كانت تحادثها كأحد رفاقها أو أصدقائها: تمسح الكاتبة أو بطلة النص القصصي الأوراق الخضراء وتزيل عنها الأتربة وتحتضنها بقوة. لتسري في جسدها رعشة شديدة. تنبئ عن تخليق روح "الأم" والتي تقدر وتكبر قيمة الوفاء والاخلاص للناس والأشياء في المكان: "ماتت أمي. مازالت الشجرة تقاوم من أجل البقاء. كنوع من رد الجميل للمرأة التي بذلت الجهد لرعايتها مسحت الأتربة. دمعت الأوراق الخضراء وتحت ضوء الشمس. احتضنتها. اهتزت الشجرة. سرت في جسدي رعشة. أحسست بروح أمي تحلق في المكان. وهكذا تحاول ميرفت العزوني من خلال قصص مجموعتها الجديدة الإمساك بالعديد من القيم والمعاني المفتقدة في واقعنا الحالي لعلها تعود إلينا من جديد.