لم تكن لدي معلومات.. وليس لي معرفة كافية في الشأن الاقتصادي.. لكن الحس السياسي وحده هو الذي دفعني إلي التأكيد في هذه الزاوية يوم السبت الماضي علي أن تراجع الحكومة عن تطبيق الضريبة المقررة علي أرباح البورصة بواقع 10% وتأجيل هذه الضريبة لمدة عامين وراءه ضغوط هائلة وألاعيب مارسها رجال المال والمستثمرون.. ومن هذه الألاعيب ما رأيناه وتابعناه من إعلان خسائر يومية مهولة في البورصة. الآن.. صارت لدينا معلومات واتهامات صريحة وجهها سمير رضوان وزير المالية الأسبق عبر صحيفة "الشروق" يوم السبت الماضي إلي مستثمرين ومضاربين لم يسمهم باصطناع انهيار في مؤشرات البورصة وربط هذا الانهيار بإقرار الضريبة لإجبار الحكومة علي التراجع عنها.. مؤكداً أن الحكومات تخشي من ردود الأفعال وتستجيب لما يمكن أن يرتقي لدرجة الابتزاز. وقال رضوان إن الضريبة لا تؤثر إلا بنسبة بسيطة في أداء البورصة.. وأصل الداء في تراجع مؤشرات البورصة هو هشاشة البورصة المصرية ذاتها نتيجة خروج الكثير من الأسهم الكبيرة بعد عمليات الاستحواذ والاندماج.. وكان يجب تطبيق الضريبة مهما كانت النتائج.. ولتخسر البورصة ما تخسره.. الكل يعلم أن هذا اقتصاد غير حقيقي. ثم وبكل وضوح قدم سمير رضوان تجربته مع محاولة تمرير ضريبة البورصة عندما كان وزيراً للمالية حيث قال: كانت تجربتي تستند في الأساس إلي ضرورة تمويل الكثير من المطالب الفئوية "الاجتماعية" التي كان الكثير منها مشروعاً جداً لارتباطه بالفقر المدقع.. وكان من الضروري مثلاً تمويل رفع الحد الأدني للأجور.. وكانت ضريبة البورصة هي إحدي آليات هذا التمويل الضروري.. وسلمت المجلس العسكري الحاكم وقتها قائمة بنسبة الضريبة علي أرباح البورصة في العالم كله.. لكن هناك من اتصل بالمشير طنطاوي وحذره من ردود الفعل المتوقعة وبالفعل تراجع عن تنفيذها. والحقيقة أن تراجع الحكومة عن تطبيق ضريبة البورصة وإنما جاء في سياق سلسلة من التراجعات.. منها استثناء العديد من الفئات المقتدرة جداً من تطبيق الحد الأقصي للأجور.. والتراجع عن تطبيق "ضريبة الأغنياء" التي كان من المقرر أن تشمل الأفراد والشركات التي يزيد دخلها علي مليون جنيه بواقع 5% لمدة 3 سنوات فقط.. وتخفيض الحد الأقصي للضريبة علي الدخل والشركات من 25% إلي 22.5%.. وفضلاً عن ذلك فقد شهد العمل علي تحصيل الضريبة العقارية إخفاقاً واضحاً حسبما تشير بيانات التقرير المالي لشهر أبريل الماضي. كل هذه المؤشرات تؤكد الدور السلبي الذي يلعبه أصحاب رؤوس الأموال في الضغط علي الحكومة بكل الوسائل كي لا تقترب من امتيازاتهم.. وهو ما يعني ببساطة كما يقول سمير رضوان استمرار تحمل الموظفين في المقام الأول مسئولية سداد الحصيلة الضريبية لكون الضرائب عليهم تخصم من المنبع قبل صرف مرتباتهم. وإذا سارت الأمور إلي ما هي متجهة إليه الآن.. وسيطر أصحاب رؤوس الأموال علي البرلمان القادم بفوزهم في الانتخابات أو فوز وكلائهم الذين يحظون بدعمهم فسوف تأتي التشريعات يقيناً في صالحهم.. ولن يستطيع أحد أن يتقدم بأية اقتراحات تمسهم من قريب أو بعيد.. وسوف يكون التركيز علي الغلابة.. وسيكون هناك ألف مبرر لسلب مكتسباتهم والاعتداء علي حقوقهم المشروعة كمواطنين. لقد صار رأس المال خطراً علي هذا البلد.. وعلي أمنه واستقراره الاجتماعي.. بعد أن وضع نفسه كقوة ضغط علي الحكومة وابتزازها من قبل أن يدخل إلي البرلمان.. فما بالك لو دخل البرلمان وصارت له قوة تشريعية وآلية "مشروعة" لإسقاط الحكومة أو تثبيتها؟!