فجأة اجتاحت مصر "حمي المؤتمرات". طلب الرئيس "خيال تاني" فتمخض تفكير الجميع عن إقامة المؤتمرات التي قالوا إنهم سيعقدونها لمكافحة الإرهاب والتطرف. الأزهر سيعقد مؤتمراً. أو عقده. وكذلك الأوقاف. وبالطبع لا يمكن للثقافة أن تقف مكتوفة الأيدي. فقد أعلنت هي الأخري علي لسان وزيرها د.عبدالواحد النبوي عن إقامة مؤتمر دولي في نوفمبر القادم لمكافحة الإرهاب.. وكأنه لا حل للإرهاب إلا بالمؤتمرات التي يعرف الجميع أنها تعقد وتنفض دون أن يدري بها أحد. ودون أن يكون لها أي أثر.. سوي بعض الأثر الإعلامي في هذه الصحيفة أو تلك الفضائية. وهذا غاية المراد من رب العباد! مبدئياً فإن الذي أعرفه عن وزير الثقافة أنه رجل جاد ولا ينتمي إلي أي شلة. ولديه رغبة حقيقية في تطوير العمل الثقافي والنهوض به. لكني لا أعرف من هم مستشاروه. ولا أعرف إذا كان يستشيرهم فعلاً. أم أنه يفكر وحده ويتخذ القرار. هكذا. من تلقاء نفسه؟!! الوزير ليس غريباً عن الوزارة. فقد عمل في دار الوثائق القومية. وحقق فيها إنجازات ملموسة. لكن ذلك لا يعني أن كل ما يقوله أو يقرره أو يفعله صحيح. ولا يعني أنه "صاحب الوزارة" يذهب بها حيث يشاء! هل للمؤتمرات التي تعقدها وزارة الثقافة عموماً أي جدوي؟! تعقد الوزارة مؤتمراً للرواية ومؤتمراً للشعر وغيرهما من المؤتمرات. يأتي الباحثون من الخارج والداخل ويكتبون دراسات وشهادات ويلقونها في القاعات الخاوية. ثم ينصرفون إلي حال سبيلهم بعد أن يصدروا عدة توصيات يخرجونها من الثلاجة. ولا تنفذ غالباً. فهل لاحظ أي مواطن أن مؤتمراً أثر في حركة تطور الشعر أو الرواية أو أي شيء.. إنها مجرد مؤتمرات للثرثرة ليس أكثر. ما الذي تنتظره من مؤتمر دولي تقيمه وزارة الثقافة لمكافحة الإرهاب والتطرف؟ هل سيضع هذا المؤتمر خططاً وآليات تجعل مصر تقول للإرهاب "بخ" فيختشي علي دمه ويندحر ويقول حرمت؟! دور وزارة الثقافة في مكافحة الإرهاب والتطرف معروف وواضح للجميع. أن تقدم أنشطة ثقافية جادة في كل مكان علي أرض مصر. وأن تقيم علي هذه الأنشطة مسئولين مؤمنين بدورهم وراغبين حقاً في النهوض بهذا الوطن وليسوا مجرد موظفين لا يهتمون سوي بتستيف الأوراق. دور وزارة الثقافة أن تنشط في طباعة الكتاب والمجلة. وأن تطور المسرح والفنون الشعبية والموسيقي والفن التشكيلي وتعمل علي نشرها في جميع الأوساط. في قصر الثقافة ومركز الشباب والمدرسة والجامعة والمصنع والشارع. ما الذي نفذته الوزارة من بروتوكولات وقصتها مع كل وزارات مصر بما فيها وزارة البيئة. لا شيء علي الاطلاق. هل انتقل النشاط الثقافي إلي المدارس والجامعات واستهدف الطلاب والتلاميذ لإعدادهم بشكل يتيح للوطن أجيالاً مثقفة وداعية ومستنيرة؟ لا شيء من ذلك حدث علي الاطلاق. دور وزارة الثقافة أن تصلح من شأن بيوت وقصور الثقافة المنتشرة في الأقاليم وتعمل في أصعب الظروف وبلا إمكانيات تتيح لها القيام بدورها علي الوجه الأكمل. ودورها أن تدرب موظفيها وتعيد تأهيلهم ليكونوا "منشطين ثقافيين" وليسوا عالة علي الثقافة والمجتمع. دور وزارة الثقافة أن يطالب وزيرها بمضاعفة ميزانيات وزارته حتي تستطيع القيام بواجبها. وأن يكون مقتنعاً ومصراً علي أن دعم الثقافة في هذا الظرف تحديداً لا يقل أهمية عن دعم الجيوش ورغيف الخبز. دور وزارة الثقافة أن تصلح من شأنها أولاً. تصلح المواقع وتصلح الموظفين وتحتضن المثقفين وأصحاب الرأي فكل ذلك هو أدواتها التي تمكنها من القيام بدورها. أما المؤتمرات فتصبح في هذه الظروف. نوعاً من العبث. بل من السفه. ولنفترض أن هذا المؤتمر جاء بحلول سحرية لمواجهة الإرهاب والتطرف. فما هي الأدوات التي تمتلكها وزارة الثقافة لتنفيذ ما سوف يسفر عنه هذا المؤتمر.. كيف تكون أدواتي قاصرة عن التأثير في الطفل أو الشاب أو رجل الشارع البسيط ثم أقفز هكذا. في استجابة خاطئة لرغبات الرئيس. وأشرع في عقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب والتطرف؟ الأفكار بسيطة وواضحة وملقاة علي الطريق ويمكن تحقيقها إذا اكتملت الأدوات وخلصت النيات واستعنا بأهل مكة الذين هم أدري بشعابها. ولم تنفرد باتخاذ قرارات متسرعة وغير مدروسة لمجرد أن نقول "نحن هنا". ستكون وزارة الثقافة "هنا" بالفعل عندما يشعر رجل الشارع بوجودها. عندما تلبي احتياجاته. عندما تصل إليه في كل مكان. عندما تكون أنشطتها الثقافية والفنية علي أجندته اليومية.. وليس عندما تكون الوزارة في الفندق أو قاعات المجلس الأعلي للثقافة أو مسرح الأوبرا.. جربنا ذلك كثيراً وفشلنا فلماذا نصر علي الاستمرار فيه.. وماذا سيقول المؤتمر أكثر من ذلك. ولماذا لا نوفر هذه الأموال لترميم قصر ثقافة أو إنشاء مسرح أو طباعة كتاب.. وساعتها ستكون الوزارة حاضرة في الشارع والإعلام كذلك!!!