خلال الأيام الماضية عشت وأسرتي أزمة نفسية حادة كادت أن تطيح بهيبتي كرب أسرة.. ولم يشفع لي عند ثلاثة أبناء أنني علي مشارف سن المعاش.. في حين أن أكبرهم لم تتعد سنوات حياته نصف عمري.. والسبب ثورة 25 يناير!! هكذا بدأ صديقي حديثه معي.. قائلاً: هل تصدق.. الثورة التي شهدتها مصر انتقلت إلي منزلي!! لدرجة أن الصالة تحولت لنموذج مصغر من ميدان التحرير!! فكل يوم جمعة أشهد جلسة احتجاجية صامتة للأبناء.. رافضين الحديث معي أو حتي مع نائبتي وهي أمهم!! وبلغت الأزمة ذروتها عندما طالبوا بإسقاطي في جمعة الغضب المنزلية!! تأملت ما يسرده صديقي الذي انتابته فترة صمت قصيرة.. ثم عاد للسرد: الدروس التي تعلمتها من ثورة 25 يناير جعلتني أتعامل مع ما يحدث بمنزلي وفقاً للشرعية الثورية.. وسعيت لصنع ائتلاف مصغر من أعضاء أسرتي.. لكن المحاولة باءت بالفشل!! فأبنائي الثوار يتعاملون معي كأب سيتم خلعه.. ومن ثم فقد شكلوا ائتلافهم بدوني أو نائبتي!! قال صديقي متعجباً : احتمال أبنائي علي حق.. فلم يروا رئيساً غير حسني مبارك الذي طالما حدثنا عن أبوته لشعب مصر.. ولدوا وكبروا أثناء فترة رئاسته.. وبالتالي يحق لهم المطالبة بتغيير الرئيس الأب!! أما أنا ضحية لفترة حكم هذا الرجل.. التي بدأت عندما كنت شاباً واستمرت 30 عاماً!! فهذه المدة أثرت بالسلب علي أبعاد شخصيتي اجتماعياً ونفسياً ومادياً.. مما جعلني لسنوات أعيش في خديعة أنني "صاحب القدرة الأبوية".. ولم أتخيل أبداً أنني مهدد بالخلع كرئيس للمنزل من أبنائي الثائرين أو شعبي الصغير كما أصبحت أسميه في أعقاب الثورة المنزلية. استمرت حيرتي لأيام.. والوضع أصبح خطيرا للغاية.. إلا أن أصغر الثوار من أبنائي أفشي مضمون السر بعد أن اشتريت له لعبة أثناء اصطحابي له من الحضانة.. فأعطاني ورقة صغيرة مدون بها بعض المطالب! وبشغف سألت صديقي.. وما هي مطالبهم؟! قال وهو ينظر في الورقة التي أخرجها من جيبه: الثوار يريدون مساحة من الحرية تسمح لهم بالتأخر ليلاً مع أصدقائهم.. وتطبيق الديمقراطية ومنع التسلط في إطار الأسرة.. وإجراء انتخابات أسرية أسوة بما حدث في فيلم "امبراطورية ميم" وزيادة كروت المحمول ومضاعفة حصة الملابس.. مع تنظيم رحلة صيفية لائقة وأخري في أجازة نصف العام.. ومشاركة الجميع في وضع الميزانية الشهرية للمنزل.. والفائض يتم توزيعه علي شكل أرباح علي جميع أفراد الأسرة!! المهم.. في نهاية الأمر نجحت في التحدث إليهم مباشرة بدون نائبتي.. ولكن بوساطة من الثائر الصغير.. وبدأنا في عقد جلسات للحوار الأسري لإعادة النظر في المطالب وكافة الأمور الحياتية.. وكانت أول توصية.. اعتماد زيادة المصروف اليومي للثوار.. والتطبيق مع بداية السنة المالية!! ثم الاستجابة لباقي المطالب تباعاً علي مدار عام كامل!! وقد وافقت حتي أضمن التجديد لفترة أبوية قادمة! ضحك صديقي.. ثم استطرد قائلاً: الجميل في الأمر أن أبنائي الثوار لم يطالبوا برحيلي خارج المنزل.. ولم يطالبوا باستبدالي.. كما لم يطالبوا بإقالة نائبتي!!!! فكرت في حكاية صديقي التي يغلفها الخيال.. وأيقنت أن هناك خلطاً في المطالب العامة والخاصة علي مستوي أفراد الأسرة الواحدة.. فعجزت أن أصنفها!! هل هي نتاج الثورة الشرعية أم الثورة المضادة؟! لكني أيقنت بوجود حقيقة كامنة وهي أن الأبناء.. أي أبناء يرفعون شعار "الأبناء تريد إسقاط الآباء"!! وأكتفي بهذا القدر.