كتب يوسف إدريس - يوما - عن مشكلته مع قراءة الصحف. وأنها تأخذ معظم الوقت الذي جعله للقراءة.. أفرد أستاذنا حسين فوزي مقالته في الأهرام ينصح إدريس بأن تقتصر قراءاته للصحف علي العناوين. يلم بالأخبار والموضوعات. ويختار ما يحتاج إلي قراءاته في الكتب. لأن المعني الحقيقي للقراءة - كما قال حسين فوزي في مقالته - هو قراءة الكتب. القنوات الفضائية ومحطات التليفزيون أضافت بعداً جديداً يخلط بين السمع والرؤية في عملية القراءة. فأنت تتابع. وتحصل علي المعرفة. دون أن تحتاج إلي قراءة الكتب.. وقد أفرزت تلك الظاهرة ما سمي بثقافة الإعلام. أي الثقافة التي تعتمد حصيلتها المعرفية علي ما تقرأه في الصحف. وتستمع إليه. وتشاهده. في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة. ظني أن نصيحة حسين فوزي هي الجسر الحقيقي بين الإنسان والمعرفة. فهو الذي يختار ما يريد قراءته. ويتوصل إلي آراء مؤيدة ورافضة. وإلي قناعات تضيف إلي معني المعرفة عنده. فيجاوز ذلك الدور السلبي الذي يكتفي قراءة ما قد يعاني خفة التناول. والسطحية. في عملية التحصيل المعرفي - وهو ما يختلف عن الثقافة. لأن الثقافة سلوك - يوجد ما أسميه معرفة الجلسات. وهي الجلسات التي يتابع فيها المرء مناقشات جماعات المثقفين في القضايا العامة. يلتقط اسماً من هنا. وعبارة من هناك. ويردد نتائج غير موصولة بأسبابها. يثيرني ذلك الذي يضع أمامه كومات الصحف. ويطالعها بدأب طيب. ثم يدفع بها قائلا: لقد قرأت. من يطلب المعرفة الحقيقية. عليه أن يبحث عنها في رفوف المكتبات. وبين صفحات الكتب. ثمة المنهج. ووجهة النظر. والمعلومة الموثقة. والاجتهاد الذي قد يمتد لسنوات. عندما يقدم أحد الدارسين بحثاً لنيل درجة عليا. فإن الملاحظة التي تعني بها لجنة المناقشة هي مدي اعتماد الدارس الكتاب مصدراً لبحثه. وإسرافه - استسهالا - في اللجوء إلي الصحف والدوريات. فما تقدمه يصعب أن يشكل معلومات يعتد بها - وقد أتيح لي حضور مناقشة عشرات الرسائل الجامعية. وكانت ملاحظات اللجان في العديد من المناقشات - ربما إلي درجة المؤاخذة - هي قلة الكتب كمصادر ومراجع بالقياس إلي وفرة الصحف. أخطر ما تفرزه ثقافة العناوين والساندوتش التيكاواي. أنصاف - أو أرباع - مثقفين. يتصورون أنهم قد حصلوا من المخزون المعرفي ما يؤهلهم لتولي أخطر المسئوليات في الساحة الثقافية. مع أنهم مجرد طيور تلتقط الأسماك من سطح البحر دون أن تدري ماذا تخفي أعماقه! ربما يتعمدون نطق كلمات فخمة. وضخمة. لو أنك تفحصتها فستجد أنها لا تحقق هارمونية السرد. تنبو عن السياق. يصبح التلغيز هدفاً في ذاته. الصحف - مهما قدمت من معلومات وآراء - تظل عنصراً مكملا لقراءة الكتب. خلفية لا بأس بها. مواد الكتب هي المتن. أما مواد الصحف فتظل أقرب إلي الهوامش. أو أنها تمثل - في أفضل الأحوال - خلفية معرفية. لا تكتسب عمقها وجديتها وجدواها إلا بالرجوع إلي الكتب.