كان الحدث الأبرز خلال الأسبوع الماضي هو ظهور علاء وجمال مبارك في عزاء والدة الزميلين مصطفي ومحمود بكري.. والترحيب الواسع واللافت للنظر الذي لقيه الشقيقان مبارك من جمهور المعزين.. وقد حظي هذا الحدث بتعليقات كثيرة علي الرغم من أن هناك أحداثاً جساماً شهدتها مصر خلال الأسبوع ذاته لكنها لم تنل هذا الكم الهائل من التعليقات.. منها علي سبيل المثال الهجوم الإرهابي البشع علي قسم شرطة العريش وتفجير برجي الكهرباء بمدينة الإنتاج الإعلامي عقب تعرضهما لعمل إرهابي مما أدي لانقطاع التيار عن المدينة وقطع إرسال القنوات الفضائية لأكثر من خمس ساعات. البعض نظر إلي حضور علاء وجمال إلي العزاء علي أنه مجرد رغبة في أداء الواجب وممارسة حياتهما بشكل طبيعي بعد أن برأ القضاء ساحتهما من كل اتهام.. والبعض الآخر ربط ظهورهما بأبعاد سياسية ذات مغزي.. خصوصاً بعدما أعلن أن محامي العائلة الرئاسية "السابقة" فريد الديب هو الذي أشار عليهما بهذه الخطوة من أجل كسر السياج "الوهمي" المضروب عليهما وعلي الأسرة. هناك من أخذ الموضوع سياسياً ببساطة.. وهناك من صرخ بأن ظهورهما السياسي الطبيعي يعني مباشرة فشل الثورة وانتكاستها.. فالثورة لم تفلح في محاكمة الأسرة الرئاسية علي فساد 30 عاماً ولم تفلح في عزلها شعبياً.. بالعكس هناك الآن من يترحم علي أيام مبارك وأولاده وزوجته.. وأكبر دليل علي ذلك الحفاوة التي قوبل بها الأخوان مبارك في عزاء الأخوين بكري. وهناك من أخذه الشطط بعيداً فتنبأ بأن هناك منصباً مهماً في الدولة ينتظر جمال مبارك بينما سيسمح لعلاء بمعاودة نشاطه في البيزنس.. وكأن شيئاً لم يكن.. لم تقم ثورة ولم يحدث أي تغيير.. وهناك من الكتاب من أخذ يحدثنا طويلاً عن المشاعر التي انتابت علاء وجمال وهما يمران بميدان التحرير لأول مرة بعد الثورة وصولاً إلي مسجد عمر مكرم للعزاء ويخيل إليّ أن كل هذه التكهنات من قبيل تحميل الأمور فوق ما تحتمل.. صحيح أن نظام مبارك يجاهد بقوة من أجل العودة ووجوه نظام مبارك تطل علينا من كل اتجاه وتكاد تحاصرنا.. ولكن صحيح أيضا أن هذه المجاهدة تواجه بالصد والحذر من النظام الحالي الذي يريد أن يقطع كل صلة له بالماضي المباركي. وإذا سألتني لماذا كانت الحفاوة بالأخوين مبارك إذا كان الأمر كذلك.. ولماذا لم يأخذ جمهور المعزين ظهورهما بشكل عادي فدعني أقص عليك الحكاية التالية: قبل ثورة 25 يناير بأسابيع قليلة كنت وزميل صحفي وقريب لي في زيارة للدكتور يوسف والي نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة وأمين عام الحزب الوطني "الأسبق" بعد أن تحلل من مناصبه ومهامه الرسمية واكتفي بمكتب بسيط مع سكرتيره في أحد المواقع التابعة لوزارة الزراعة بالدقي.. شرق بنا الحوار وغرب في العديد من القضايا حتي وصلنا إلي حالة السخط العام في البلد.. وسألته: ألا تشعر يا سيادة النائب أننا مقبلون علي ثورة شعبية ربما تنقلب إلي ثورة جياع فنفي ذلك بكل ثقة قائلاً: نحن شعب عاطفي لسنا شعب ثورات بالمعني المعروف.. نحن نقف في إشارة المرور ساعة وساعتين حتي يمر موكب السيد الرئيس أو السيد الوزير.. ونظل نسب ونلعن ولكن عندما تظهر أمامنا سيارة الرئيس نصفق ونشاور ونفرح.. "احنا كده شعب عاطفي". وبعد أسابيع قامت الثورة وكان هتافها سباً ولعناً في الرئيس وأولاده وحاشيته.. وبعد سنوات أربع نسينا الهتاف وأخذنا الحنين إلي مبارك وزمانه.. إلي الحد الذي دفع أحد المتحمسين في العزاء إلي الإشارة إلي جمال مبارك قائلاً: يا زعيم يا ابن الزعيم. احنا كده شعب عاطفي.. نفعل الشيء ونقيضه.. نحب ونكره في وقت واحد ولا يهمنا.. احنا كده.