جاءت "فتحية" إلي الدنيا وهي تحمل بداخلها جينات قوة الشخصية فلم تكن تهاب أحداً جريئة مقدامة ترد علي الكبير والصغير دون خوف من ردود أفعالهم أياً كانت.. ولأنها كانت من الريف وتعيش في إحدي قري الجيزة فقد تعرضت لانتقادات كثيرة من المحيطين بها من أهل القرية الذين لم يستسيغوا جرأة هذه الفتاة ولاموا والدها علي تسامحه مع هذه الطباع الحادة الغريبة علي أخلاق بنات الريف.. لكن الحاج "عبده" كان يري ان فتحية هي كبري بناته وقوة شخصيتها ستحميها هي وشقيقاتها. كبرت فتحية وكبرت معها شخصيتها. وعندما استوي عودها تقدم لها "مرجان" للزواج منها. كان مرجان فلاحاً من أمهر فلاحي القرية يعيش مع والده ووالدته في نفس البيت. ولم يكن له من أشقاء سوي أخته "رضا" التي تزوجت من أحد أقاربهم منذ سنوات.. وافق والد فتحية علي زواج ابنته من مرجان وتم الزواج سريعاً ووجدت فتحية نفسها في بيت جديد ومن اليوم الأول فرضت شخصيتها علي شخصية زوجها.. وقد حرصت في البداية ألا تظهر ذلك أمام والدي مرجان ولكن مع الوقت لاحظ الجميع ان فتحية وضعت زوجها "تحت السيطرة التامة". فالرأي هو ما تراه وزوجها مجرد منفذ لرغباتها.. أنجبت "فتحية" طفلها الأول "عادل" بعد عام ونصف العام من الزواج. ثم بعدها بعام أنجبت "ثريا" وأخيراً "سعاد".. وخلال تلك الفترة أصبحت مقاليد الأمور في يد "فتحية" وأصبح "مرجان" هو "زوج الست" كما يقال. فنجحت في إبعاد زوجها عن والديه.. وبدأت ذلك في الطعام والشراب وجعلت طعامها هي وزوجها وأولادها بعيداً عن طعام الأب والأم رغم أن من تقاليد الريف أن يجتمع الجميع علي "طبلية" واحدة. استكملت "فتحية" تدبيرها وأمرت زوجها بأن يكون خير الأرض له ولأولاده لأنه يتعب ويكد فيها ويفني زهرة شبابه. ولا مانع من أن يعطي لوالديه جزءاً من إيراد الأرض يعيشان منه.. واستجاب "مرجان" لأوامرها وفعل ما طلب منه دون أن ينطق ولو بكلمة.. مر عام ولم يحتمل والد "مرجان" عقوق نجله ومات بعد أن أجبره نجله علي كتابة الأرض باسمه.. كانت "فتحية" تحب نجلها "عادل" وتؤثره علي البنات في كل شيء. وفي الوقت نفسه أساءت معاملة حماتها كثيراً لدرجة انها جعلتها وهي العجوزة الكبيرة تقوم بأعمال المنزل وتخدم نفسها بنفسها رغم كبر سنها وضعفها ومرضها.. وكان "مرجان"" رجلاً سلبياً فقد معاني النخوة والرجولة الحقيقية.. يري أمه الكبيرة تُهان ولا يستطيع أن يفعل شيئاً فزوجته امرأة جبارة لا يمكنه الوقوف وأمامها.. وهكذا مرت الأيام بطيئة حزينة علي أم مرجان حتي لقيت ربها ولحقت بزوجها في مثواه الأخير بعد ما تجرعت مرارة الذل والهوان علي يد "فتحية". بعد موت حماتها تفرغت فتحية لنجلها الحبيب "عادل" الذي بلغ من العمر 16 عاماً دون أن يتعلم شيئاً مفيداًً في حياته فلا هو نجح في التعليم ولا هو تفرغ للأرض. ورغم ذلك عملت المرأة علي تدعيم مركز ابنها كرجل للبيت علي حساب زوجها. فكانت تستشير نجلها في كل أمر وتجعل كلمته فوق كلمة "مرجان".. كما كانت توثره بجزء من المال بعد بيع المحصول يتصرف فيه كيفما يشاء. عندما فاتح "عادل" أمه في أمر زواجه فرحت بشدة ولم تتمالك نفسها من الفرحة رغم ان نجلها لم يتم الثامنة عشر. سألته عمن اختارها لتكون زوجة له فأخبرها انه اختار "سارة" ابنة الحاج "جابر" ابن عم والده.. وفوجيء "مرجان" بزوجته تخبرها انها ستزوج عادل من ابنة الحاج "جابر" وعليه أن يطلب يدها من أبيها.. وكالعادة نفذ "مرجان" الأمر دون مناقشة. وخطب "سارة" لعادل وتم الزفاف بعدها بستة أشهر. كانت "سارة" فتاة جميلة وتتميز بالدهاء ونجحت حتي قبل زفافها في التأثير علي الشاب بفعل أنوثتها وبمجرد دخول "سارة" البيت حاولت "فتحية" كعادتها أن تسيطر علي زوجة ابنها ولكن كما يقولون في الأمثال الشعبية "مش كل الطير يتاكل لحمه" قابلت "سارة" قوة شخصية حماتها بدهاء ومكر الأنثي وجعلت من زوجها حائط الصد عنها والذي لم يسمح لأمه بإهانة زوجته. فكان ذلك بداية المشاكل بين الأم من ناحية والابن وزوجته من ناحية أخري.. وكان "مرجان" يقف كالمتفرج بين الطرفين لا يستطيع أن يتخذ موقفاً إيجابياً كعادته وإن كان في داخله يرغب في هزيمة زوجته التي أذاقته المر منذ زواجهما.. ولذلك بمجرد أن فاتحه نجله الوحيد في كتابة الأرض باسمه حتي لا تشاركه البنات في الميراث وافق علي الفور ونقل ملكية الأرض لعادل.. وكان هذا الأمر هو ما أجهز علي "فتحية" بالضربة القاضية. بعد حصوله علي الأرض صار الوضع كالتالي: "مرجان" يعمل في الأرض كالأجير مقابل طعامه وشرابه في البيت. وفتحية أصبحت بلا سلطة في البيت اللهم إلا علي زوجها فقط.. وصار للبيت سيدة جديدة هي "سارة" تفعل ما تريد وتأمر فتطاع.. ولم تطق فتحية العيش علي الهامش ودفعتها غريزتها المشاكسة المسيطرة للاصطدام بسارة وحدثت بينهما مشادة كبيرة انتهت بدفعة قوية أسقطت سارة أرضاً مما تسبب في إجهاضها من حملها الذي لم يكن أحد يعلم عنه شيئاً.. وولم يغفر عادل لأمه ما فعلته بزوجته الحبيبة فأبلغ عنها الشرطة. ولم ترض سارة بالتنازل عن الشكوي حتي وصل الأمر للقضاء الذي قضي بسجن فتحية. داخل سجنها رأت فتحية لأول مرة المصير المظلم الذي ينتظرها. فقد علمت انها بعد خروجها من السجن ستعود إلي البيت كخادمة. وان ما فعلته مع حماتها في الماضي ستتجرع أضعافه من زوجة ابنها.