ألقي الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية كلمة خلال الجلسة المشتركة لمجلس البرلمان الإثيوبي وهذا نص الكلمة: السيد/ رئيس جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية السيد/ رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية السيد/ رئيس مجلس نواب الشعب الإثيوبي السيد/ رئيس المجلس الفيدرالي الإثيوبي السيدات والسادة أعضاء مجلس نواب الشعب والمجلس الفيدرالي الحضور الكريم.. إنها لحظة تاريخية فارقة تلك التي أقف فيها أمامكم في بيت الشعب الإثيوبي لأحمل لكم رسالة أخوة صادقة ومحبة خالصة وأيادي ممدودة بالخير تنشد التعاون من أجل التقدم والرخاء من إخوتكم في مصر. الذين تطلعوا معكم لتلك اللحظة. التي تجسد إرادة سياسية متبادلة للحوار والتواصل والتعاون علي كافة المستويات ومن خلال مختلف المحافل.. فنحن ومنذ بدء التاريخ ننهل ونرتوي من نهر النيل العظيم. الذي أجراه الخالق ليحمل الحياة والنماء لشعوب حوضه.. إنه النهر الذي باتت مياهه تجري دماء في عروق المصريين والإثيوبيين الذين سيظلون دوما أشقاء ولن يسمحوا لأي خلاف بأن يدب بينهم أو أن ينال من قوة الروابط التي تجمعهم. وهو ما يؤكده تواصلي المستمر مع أخي رئيس الوزراء الإثيوبي منذ لقائنا الأول في مالابو.. وثقتي كاملة في أنه يتطلع معي إلي توثيق وتفعيل ما بيننا من صلات والبناء عليها في كل المجالات. وقد تأكدت تلك الثقة عندما سعدت بلقاء الأخ العزيز رئيس مجلس نواب الشعب الإثيوبي في القاهرة بصحبة نخبة من أعضائه ووفد الدبلوماسية الشعبية. إن تلك الصلات التي تجمع بين بلدينا زادت قوة بانتمائنا معا إلي عائلة واحدة هي قارتنا الأفريقية التي تستضيف أديس أبابا رمز وحدتها. حيث كانت مصر من أشد المتحمسين لأن تكون هذه المدينة مقرا لها.. لقد كان وقوف بلدينا في طليعة الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية أقوي تعبير عن إدراكهما لارتباط مصير أبناء تلك العائلة الأفريقية وحتمية نضالهم معا من أجل التحرر والاستقلال والوحدة. وأنه لا بديل عن تلبية نداء التعاون حتي يمكن لشعوب أفريقيا مجابهة التحديات التي كانت تواجهها.. واليوم وإن اختلفت طبيعة التحديات لكنها زادت جسامة وتعقيدا علي نحو بات يحتم علينا درجة أوثق من التعاون والتضامن ومزيدا من الفهم المشترك للبناء علي ما يجمعنا. السيدات والسادة... إنني وباسم تلك الأخوة وهذا المصير المشترك. ومن منطلق مسئوليتنا جميعا إزاء شعوبنا وأجيالنا القادمة أدعوكم كي نكتب معا صفحة جديدة في تاريخ العلاقات المصرية الإثيوبية نسطر فيها آمال وطموحات شعبينا. ونتطلع فيها إلي مستقبلنا المنشود.. مستقبل زاخر بالرخاء ومفعم بالأمل. ونستلهم فيها أفضل ما في تاريخنا من قيم سامية ومواقف مشرقة لن ينساها التاريخ من رحلة السيدة مريم العذراء والسيد المسيح عليهما السلام طلبا للأمان في بلادنا التي باركها الله في الإنجيل والقرآن إلي لجوء المسلمين الأوائل لإثيوبيا هربا من الاضطهاد حيث لقوا الحماية والرعاية من أهلها. وصولا إلي كفاحنا ضد الاستعمار وتدخل القوي الطامعة في بلادنا. أدعوكم أيضا لنأخذ العبرة من الصعاب التي خضناها. ومن العقبات التي اعترضت سبيل علاقاتنا لكي نتخطي سلبيات الماضي التي يجب أن نتفق علي أنها لن تضع قيودا علي الحاضر. ولن تعيق تطلعاتنا نحو المستقبل.. نعم.. نحن بحاجة إلي بناء جسور الثقة. لكننا نريد أيضا أن نسد فجوات الشك والريبة التي ما كان يجب لها أن تترك لتتمدد أو أن تصبح هوة تفصل فيما بيننا.. وتلك مسئولية مشتركة تقع علي عاتق السياسيين والمثقفين والإعلاميين في بلدينا باعتبارهم قادة الرأي والفكر. وعليهم أن يرتقوا إلي قدر المسئولية الجسيمة التي يحملونها أمام الله وأمام الشعوب.. فمن الواجب علينا معا أن نترك لأجيالنا الجديدة ميراثا أفضل مما آل إلينا. كما نحتاج إلي أن نكتب معا صفحة جديدة في تاريخ علاقاتنا الثنائية نستفيد فيها من مبادئ العصر الحديث الذي نعيشه وعلي رأسها التعاون وتحقيق المصالح المشتركة والفوائد المتبادلة.. فمن ينشد التقدم في عالم اليوم يدرك أن عليه تجنب النزاعات غير المجدية. والنأي ببلاده عن الصراعات التي تستنفد الطاقات والموارد الثمينة. والتي يجب توجيهها عوضا عن ذلك إلي التنمية وتحقيق الرخاء من أجل الارتقاء علي دروب العلم والمعرفة وامتلاك الأدوات التي تكفل استدامة التقدم والرقي. السيدات والسادة... أدعوكم اليوم لكي نضع معا ركائز مستقبل أفضل لأبنائنا ولأحفادنا.. مستقبل تضاء فيه كل فصول المدارس في إثيوبيا ويشرب فيه كل أطفال مصر من نهر النيل كعهد آبائهم وأجدادهم.. مستقبل يتسع فيه اقتصاد البلدين ليستوعب قوتهما العاملة بما يضمن العيش الكريم لشعبينا.. ويحقق الإنتاج الوفير لبلدينا.. ولكي يستعيدا مكانتهما بين الأمم بما يتسق مع تاريخهما وقدراتهما.. فلا ينبغي أبدا أن يأمن أحدنا علي مستقبله دون الآخر أو أن يبني رفاهيته علي حساب أخيه.. فكما أن لبلدكم الشقيق الحق في التنمية وفي استغلال موارده لرفع مستوي معيشة أبنائه وكما لا ينبغي أن يشهد القرن الحالي مشاهد الجفاف والمجاعة التي أدمت قلوبنا جميعا وتألمنا لها في القرن الماضي.. فإن لإخوتكم المصريين أيضا الحق ليس فقط في التنمية ولكن في الحياة ذاتها وفي العيش بأمان علي ضفاف نهر النيل الذي أسسوا حوله حضارة امتدت منذ آلاف السنين ودون انقطاع. إن هذه الحضارة التي أقامها المصريون أدركت منذ القدم قيمة النهر العظيم فكان يوم وفائه عيدا. وخاطبه المصريون بالشعر والغناء كأنه يسمع ويعي مدي اِرتباطهم به.. إن ذلك التخليد ليس إلا تعبيرا بسيطا عن محورية النيل الذي كان ولا يزال المصدر الوحيد للمياه.. بل وللحياة لما يقرب من 90 مليون مصري يعيشون علي جانبيه ويتعلقون به وتقوم حياتهم في الوادي الضيق الذي يشقه وسط صحراء شديدة الجفاف تمثل نحو 95% من مساحة مصر. كما أن نشأة الدولة المصرية ذاتها ارتبطت بدورها الرئيسي في تنظيم الحياة حول نهر النيل وفي إدارة حقوق المواطنين في الاستفادة من مياهه.. وقد امتد هذا الدور علي مدي العصور التالية تأكيدا للارتباط الوثيق بين مصر وبين نهر النيل. فقامت الحضارة المصرية وأبدعت في مختلف مجالات الحياة لتسهم في إثراء التراث البشري.. واليوم وبرغم زيادة السكان بمعدلات كبيرة وتعاظم الاحتياجات وتوسعها لتحقيق متطلبات التنمية الشاملة لم تشهد موارد مصر من المياه أية زيادة تتناسب مع كل هذه الاستخدامات الأساسية.. وإننا بإذن الله عازمون علي أن تعود مصر لمكانتها وعلي أن تزداد حضارتها تألقا. علي أن يكون التعاون والمشاركة وسيلتنا لتحقيق النماء والازدهار والرخاء لنا في مصر ولأشقائنا في إثيوبيا وفي حوض النيل بأكمله. ولاسيما في ظل ما لدي دول الحوض من الموارد ومن الإمكانيات البشرية. وذلك في إطار سياسة الانفتاح علي أفريقيا التي تحرص عليها مصر الجديدة. التي لا تكتفي بالأقوال بل تتخذ من الأفعال سبيلا لتعزيز علاقاتها العضوية مع قارتها الأم ودولها الشقيقة. السيدات والسادة... إن لدينا اليوم الفرصة السانحة لنصوغ معا رؤية طموحة للمستقبل حتي يسجل التاريخ أننا كنا علي قدر المسئولية التي تحملناها. وأننا سعينا دون تقصير لضمان حقوق شعوبنا الأساسية بما في ذلك الحق في حياة كريمة خالية من الجوع والعطش ومن الظلام والفقر للوفاء بالوعود التي قطعناها علي أنفسنا لأبناء الوطن نحو مزيد من التنمية. والتي نثق أنها سوف تمتد حتما لتعم دول المنطقة وقارتنا بأكملها.. لنقدم مثالا يحتذي به للتعاون والعمل المشترك والمثمر. ولدينا اليوم هذه الفرصة من خلال إنفاذ الإرادة السياسية التي أنجزت اتفاق المبادئ الذي وقعنا عليه في الخرطوم مؤخرا. وذلك باِستكمال الإجراءات الدستورية في دولنا حتي يدخل حيز النفاذ دون إبطاء أو تأجيل.. فالعبرة ليست بالكلمات والشعارات ولا بتوقيع الوثائق والاتفاقيات. وإنما بتنفيذها بصدق وإخلاص. ولسوف تذكر الأجيال القادمة أننا اخترنا في لحظات حاسمة أن ننحاز إلي مستقبل أفضل وألا نبقي أسري للماضي. وأن نحلق نحو آفاق أرحب من التعاون دون قيود من الشك والريبة.. وسوف تجد الأجيال القادمة أيضا أن الاتفاق الذي أنجزناه كان هو السبيل إلي ذلك الأفق الذي مضينا إليه علي أساس قوي من الثقة المتبادلة والتفاهم المشترك حول المبادئ والإجراءات التي أرسيناها معا من خلال الاتفاق الذي تم توقيعه.