* يسأل رمضان الملواني بمدينة الزهور بالاسكندرية:ما هو أقل مقدار لصداق المرأة في الاسلام.. وما حده؟! ** يجيب الدكتور عثمان عبدالرحمن مستشار العلوم الشرعية والأزهر: اختلف الفقهاء في أقلّ الصداق وذلك علي قولين: القول الأول: ذهبوا إلي أن أقلّ الصداق مقداراً هو عشرة دراهم. فإن عقد بأقل من عشرة صحت التسمية عند بعضهم وكملت عشرة. بينما يري البعض الآخر ان التسمية في هذه الحالة فاسدة ويجب التكميل. بينما ذهب المالكية الي أن أقله ربع دينار ذهباً. أو ثلاثة دراهم فضة. وقيل عندهم يجوز بالدرهم. فإن عقد بأقلّ من ذلك فسد النكاح. فيفسخ قبل الدخول ويثبت بعد بصداق المثل.. ولقد استدل أصحاب هذا المذهب بجملة أدلة من القرآن. والسنة النبوية. والقياس: أما القران الكريم فقوله تعالي: "وأحلَّ لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم مُحصنين غيرَ مسافحين" "النساء 24". وجه الاستدلال ان الله تعالي شرط أن يكون الصداق مالاً. ولا يُطلق اسم المال علي ما قل. بل علي ما له قيمة معتبرة. فما لا يسمي أموالاً لا يكون صداقاً.. ويقول تعالي: "ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المُحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانُكم من فتياتكم المؤمنات" "النساء/25". وجه الاستدلال أن الآية دلت علي أن صداق الحرة لابد وان يكون مما يطلق عليه اسم مال. له قدر. ليحصل الفرق بينه وبين مهر الأمة. فلو جاز الصداق بما قلّ أو كثر. لكان كل أحدي واجداً الطول لحرة مؤمنة. ومن السنة النبوية: عن جابر بن عبدالله ان النبي صلي الله عليه وسلم قال: "ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء. ولا يزوجن إلا من الأكفاء. ولا مهر أقلّ من عشرة دراهم". والقياس. قالوا: ان أقل الصداق مقاس علي ما يجب به القطع في حد السرقة. بجامع أن كلا منهما يترتب عليه استباحة عضو. وقد عُهد في الشرع تقديرما يستباح به العضو. بما له خطر. وذلك ما تقطع به اليد. القول الثاني: رأوا أنه لا حدّ لأقل الصداق. بل كل ما كان مالاً جاز أن يكون صداقاً. وهذا مذهب المالكية في قول. والشافعية. والحنابلة. والظاهرية. وقد استدلوا بعدم تحديد أقل الصداق بجملة من الأدلة من القرآن. والسنة. والقياس. منها: قال تعالي: "وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتهم لهن فريضة فنصف ما فرضتم" "البقرة/237". وقال تعالي: "وآتوا النساء صدُقاتِهن نِحلَةً" "النساء/4". وقال تعالي: "وآتوهُنّ أُجورَهُهنَّ بالْمَعْرُوفِ" "النساء/25". وجه الاستدلال: أنَّ هذه الآيات جميعاً عامة في ذكر المهور. مجملة غير مقدّرة للصداق بأقلّ. فهي نصوص صالحة للقليل والكثير. ومن السنة النبوية الشريفة: عن سهل الساعدي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال للرجل الذي خطب المرأة. التي وهبت نفسها للنبي صلي الله عليه وسلم: "التمس ولو خاتماً من حديد". والخاتم من الحديد أقلّ الجواهر قيمة. فدلّ علي جواز القليل من المهر. وعلي أنه لا قدر لأقله» لأنه لو كان له قدر لبيّنه. إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. ناهيك عن كون خاتم الحديد لا يَسْوَي قريباً من الدرهم. ولكن له ثمن يُتبايع به. فكان المراد أن يلتمس أي شيء. ولو أقل ماله قيمة. كخاتم من حديد. لأن خاتم الحديد في نهاية من القلة. وعن عبدالله بن عامر بن ربيعة عن أبيه: أنَّ امرأة من بني فزارة تزوجت علي نعلين. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟". قالت: نعم. قال: فأجازه. وفي رواية أخري: "أن رجلاً من بني فزارة تزوج علي نعلين. فأجاز النبي صلي الله عليه وسلم نكاحه". وعن جابر بن عبدالله أنَّ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "من أعطي في صداق امرأة ملء كفيه سويقاً أو تمرا فقد استحلّ".. وتدل الأحاديث السابقة علي جواز كون الصداق أقلّ من عشرة أو ثلاثة دراهم. وأنَّ كل ذلك مبني علي التراضي. أما القياس: وذلك أنَّ كل ما صلح أن يكون ثمناً صلح أن يكون صداقاً. كالعشرة. ولأنه عقد. ثبت فيه العشرة عوضاً. فصح أن يثبت دونها عوضاً. كالبيع. وأن ما يقابل البضع من البدل لا يتقدر في الشرع. كالخلع. ولأن كل عوض لا يتقدر أكثره. لا يتقدر أقلّه قياساً. علي جميع الأعواض.. كما أنَّ الصداق بدل لمنفعة. فيجوز ما تراضي عليه الطرفان من المال. قياساً علي الأجرة في عقد الإجارة. والذي يترجع لنا مما سبق في هذه المسألة هو الرأي القائل بعدم وضع حدّ أدني للصداق. وأن الصداق صالح بكل ما يصلح عوضاً. ويطلق عليه اسم المال. أي كل ما له قيمة معتبرة شرعاً.. ومع كلّ ما ذكر فيُستحب الخروج من الخلاف. بأن يرتفع أقلّ الصداق إلي ما حدده المخالفون من أصحاب الرأي المقدّر للأقلّ. وربّما كان الأمر مرتبطاً بالعرف الصالح. فيحسن تحكيمه به. إذا العرف معتبر في الشرع. مادام في الأمر إطلاق وسعة.