الناقد السينمائي الأمريكي اللبناني الأصل جاك شاهين مؤلف كتاب الصورة الشريرة للعرب في السينما الأمريكية كتب يقول في مقال له عن صورة المرأة في السينما الهوليودية: اعتادت هوليوود أن تهين المرأة العربية المسلمة وتشيطنها وتقدمها كسلعة جنسية. ... ولكن المخرجين هناك لم يخلقوا هذه الصورة من فراغ وإنما ورثوها من الميراث الثقافي الأوروبي. ومن الصور المرسومة في الأدب والفنون المرئية إبان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وذلك قبل أن يصبح هذا الإرث أنماطاً حية وشخصيات بخصائص وملامح ثابتة ومتكررة علي الشاشة السينمائية في هوليوود. وقد ارتبطت المرأة المسلمة وفق السينما الأمريكية بالعنف والجنس والكوابح التي تخضع لها. إذ حبستها الأفلام داخل دائرة من الأنماط تظهر في كل أنواع الفيلم. ظهرت هذه الصورة النمطية في الأفلام التي يطلق عليها "أفلام السيف والصندل" وفي نوعية الكوميديا الموسيقية وفانتازيا البساط السحري. والقصص التاريخية. وفي السلاسل السينمائية. وأفلام الإرهاب التي تضع الشخصية العربية رجلاً كان أو إمرأة في الصورة النمطية التي باتت معروفة من كثرة تكرارها. وحفظها رواد السينما. ومنذ السينما الصامتة وحتي اليوم تبدو المرأة العربية باعتبارها النقيض للمرأة الأمريكية علي الشاشة وفي السنوات الأخيرة استطاعت المرأة العربية نفسها أن تفرض صورة مغايرة. أن تذهب إلي المهرجانات الدولية بأفلام من صنعها تقلب الموازين وتتحدي تلك النظرة التي سجنتها داخل المفهوم الغربي الاستشراقي للنساء العربيات.. قدمت المرأة المخرجة تصورها الخاص عن نفسها وكينونتها دون التأثر بالمفهوم الغربي "الأوروبي- الأمريكي" واستحوذت بالصورة الجديدة علي انتباه رواد هذه المهرجانات وشدت الانتباه إلي نماذج مختلفة بعيدة عن "الأنماط" التي روجت لها السينما الأمريكية وكرستها عن عمد وصورت علاقتها بالرجل العربي كمخلوق حسي تابع ومقموع يلبي رغباته ويمعن في خدمته وفقاً للثقافة التي تحبسها داخل "الحرملك". وفي الدورة السادسة والثمانين لأكاديمية علوم وفنون السينما "الأوسكار" شاركت السينما العربية بأفلام مدهشة. رشح بعضها للأوسكار مثل فيلم "عمر" الفلسطيني للمخرج هاني أبوأسعد الذي ضم نماذج للمرأة العربية تدحض أي صورة نمطية روجت لها السينما الغربية. واشتركت المملكة العربية السعودية بأول فيلم سعودي للمخرجة هيفاء المصور. وهو فيلم "واجدة" الذي يحكي قصة فتاة عربية صغيرة اسمها "واجدة" تستميت من أجل اقتناء "عجلة" "دراجة" بينما التقاليد الشرقية والعربية علي وجه الخصوص تحول بشدة دون هذا النشاط الذي لا يليق بالإناث.. ومن ثم كان علي هذه الفتاة أن تبحث عن طريقة أخري للحصول علي مبتغاها وتكسير ذلك التمييز بين الولد والبنت. والفيلم إلي جانب الصياغة الجيدة للغة الصورة والأداء البسيط لبطلة الفيلم ولأسلوب الحكي يؤكد علي قدرة المرأة المخرجة في مجتمع عربي محافظ أن تتجاوز التقاليد الراسخة وتلوح بمرحلة تتجاوز فيها المرأة العربية الكوابح والعراقيل التي يفرضها المجتمع علي المرأة. وحصل الفيلم علي العديد من الجوائز. ولفت أنظار الناس في الخارج إلي جوانب ليست معروفة في حياة المرأة داخل المملكة العربية السعودية. والأكثر من ذلك أنه قدم صورة تتناقض تماماً مع الصور والأفكار التي يحملها معظم الناس حول المرأة في هذه المنطقة من العالم» فالمرأة ليست فقط ممثلة أمام الكاميرا وإنما مُبدعة في بلد عربي ليس به دور عرض سينمائي ولا صناعة للسينما. "واجدة" الفيلم بث رسالة للعالم مؤداها أن المخرجة العربية في بلد لم تعترف بالسينما وضعت أقدامها في حقل السينما العالمية وانتزعت اعترافاً بأنها قادرة علي الإبداع وعلي الاستقلال مادياً وعلي المواجهة. ولم تكن هيفاء المنصور -بطبيعة الحال- أول امرأة علي مستوي العالم العربي. وإنما سبقتها مخرجات سرن علي الدرب ومهدن الطريق أمام إبداعات السينمائيات العرب. ومنهن المخرجة الجزائرية والأديبة النابغة آسيا جبار التي احتلت مكانة مرموقة ليس فقط في مجال السينما وإنما كأديبة وأستاذة في التاريخ. وكانت من بين المرشحين أكثر من مرة لجائزة نوبل للآداب. وكذلك فإنها أول سيدة عربية تتمكن من دخول الأكاديمية الفرنسية وهي حاليا أستاذة الأدب الفرانكفوني في جامعة نيويورك. آسيا جبار استعانت بوسيط الفيلم إبان مرحلة السبعينيات من القرن الماضي لطرح موضوعات حساسة تصور المرأة الجزائرية في علاقتها بالجنس والسياسة وقضايا التحرر الوطني.. وقد تميزت أعمالها السينمائية بالنزعة الإنسانية التي تجلت في أفلامها "نوبة نساء جبل شنوة" "1977" وفيلم "ذردة" و"أغاني النسيان" "1982" الذي نال جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان برلين.. فهذه امرأة تعد نموذجا للتفوق والاستنارة وتدحض أي صورة نمطية للمرأة العربية.. وفي تونس أضافت مفيدة تلاتلي إلي تراث السينما العربية فيلم "صمت القصور" "1994" الذي فتح الباب أمام المرأة التونسية المبدعة والذي جمع علي نحو غير مباشر وبأسلوب ممتع بين السياسة والمرأة والجنس في قصر يسكنه "بكوات" الحكم العثماني وقبل أن يتحقق للبلاد وللمرأة استقلالهما. الفيلم أول الأفلام في مسيرة هند صبري التي تعتبر نموذجا جديراً بالاعجاب للمرأة العربية "الحرة" التي خرجت وبقوة عن الصورة التي كرستها الأفلام الغربية ومازالت. فالفيلم كان وسوف يظل وسيطا متاحا أمام النساء العربيات لمناقشة قضايا الحرية بأشكالها. وكذلك المشكلات والهموم التي تواجههما. وعلي الصعيد الدولي خارج الحدود الاقليمية لمعت في لبنان المخرجة والممثلة متعددة المواهب قوية الحضور نادية لبكي.. شاركت بأفلامها في مهرجانات عديدة. وحققت نجاحا ملحوظا علي المستوي النقدي والجماهيري. وهي تتميز ببصمة خاصة. ومن أفلامها "إلي أين نذهب الآن" "2011" وهو فيلم كوميدي يتناول بمزيج من الخفة والفطنة وبساطة السرد قصة شائكة تجمع بين المسلمين والمسيحيين في قرية لبنانية صغيرة. وتضم الكنيسة إلي جوار الجامع في وئام يتحدي المطبات والمتاريس المعتادة.. الفيلم يضم فريقا مُبهرا لنساء قويات يتسمن بخفة روح مدهشة وإرادة وذكاء مكنتهن من الحفاظ علي وحدة نسيج القرية. وخلق جو من التآلف بين سكانها وفي الوقت نفسه إشاعة روح السخرية من محاولات التفرقة.. فالفيلم يتناول من خلال المزج الذكي والمدهش بين فريق النساء في القرية والوافدين إليها موضوعات السياسة والدين ويبث رسائل سلام وحب. من أفلام نادين التي أسمعت الجمهور خارج لبنان فيلم "سكر بنات" أو "كراميل" "2007" الذي نال استحسانا وشهرة عالمية.. إذ يقدم مجموعة من النساء يعشن في بيروت بينما تشق كل واحدة منهم طريقها في هذه المدينة الحديثة المكبلة بميراث من الصراع والمشكلات بحثاً عن الحب والسعادة. ولم تحاول المخرجة في أي من الفيلمين أن تقدم شخصية المرأة العربية وفي ذهنها جمهور غير الجمهور العربي. كما لم تحاول أن تصحح الصورة النمطية التي عادة ما تخضع لها السينما عند تقديمها للمرأة. ولكنها أشاعت نكهة حقيقية وصادقة تعبر عن أجواء المرأة وحياتها من دون افتعال أو تكلف. واختارت موضوعاً يمكن أن يجد قبولاً عند الناس في أي مكان. والفيلمان "سكر نبات" و"إلي أين نذهب الآن" يتحديان وبنجاح أشكال الخطاب السائد الذي يعالج موضوعات الاستعمار والحرية والنساء العربيات عبر حكايات لا تخاطب الجمهور الأوروبي ولا تحاكي الأسلوب ولا المعايير الغربية في تصورها للمرأة في العالم الثالث وفي المنطقة العربية بصفة خاصة. وعلي الصعيد الدولي ظهرت المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر التي طوعت وسيط الفيلم لوجهة نظرها في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. والسلام والهوية.. ورشح فيلمها الأخير لتمثيل فلسطين في ترشيحات الأوسكار. الفيلم بعنوان "عندما رأيتك" ولكنه لم يصل إلي التصفيات النهائية في القائمة القصيرة لأفضل فيلم أجنبي. ولكنه أسمع الجمهور في العالم. الفيلم تدور أحداثه حول حكاية الصبي الصغير "طارق" الذي يلتقي مع مجموعة من الفدائيين في معسكر بالأردن عام 1967. ورغم ذلك فإن المخرجة لا تتعرض للسياسة علي نحو مباشر مثل فيلمها "ملح البحر" ولكنها عالجت قصة نضال من منظور إنساني بعيداً عن الاستقطاب السياسي. ** صورة المرأة العربية المبدعة دخلت المجال العالمي وأصبح لها مكان ورسالة عملية تدحض الصورة النمطية التي كرستها السينما الغربية منذ السينما الصامتة وحتي الآن. واليقظة العربية ستحمل للمستقبل مبدعات أخريات وفي دول بدأت علاقتها بالسينما مؤخراً.