القول عن شيء إنه لا يقدر بمال يحتمل المبالغة إلا في التراث المعماري والفني. لا استطيع أن أضع ثمناً للأهرامات. ولا لأبي الهول. ولا لمعابد الكرنك. أو آلاف الجداريات وغيرها من شواهد التاريخ المصري الفرعوني والهيليني والقبطي والإسلامي. لا استطيع أيضا أن أعوض فقد تحفة فنية لفان جوخ ومايكل أنجلو ورامبرانت وبيكاسو وغيرهم. البساطة التي علق بها فاروق حسني ومحسن شعلان علي اختفاء لوحة زهرة الخشخاش. وتحديد شعلان سعر اللوحة بأنه لا يزيد علي 60 جنيها. هو ثمن الإطار. وقول حسني إن ما حدث سرقة عادية تحدث في كل متاحف العالم. الرأيان يجمع بينهما الخيبة القوية. لا مجال هنا لسعر مرتفع أو منخفض. أو أن سرقة اللوحة تحدث في أحسن المتاحف. أوافق زاهي حواس علي أن آثارنا التي تنهب لا يمكن أن تعوض. ولن يحترمنا العالم والتعبير لحواس وهو يري آثار الفراعنة تباع وتشتري في السوق السوداء. لكن هذه الكلمات اللائمة. المستغيثة. ينبغي في تقديري أن تصدر إلي وزارة الآثار. وإلي الوزير زاهي حواس. الحفاظ علي الآثار المصرية مسئولية الدولة والمواطن. وزاهي حواس هو المسئول الأول بصفته الوظيفية. اجترار الشكوي من إخفاق الإجراءات الأمنية في منع حوادث سرقة الآثار. بحجة أن غالبية المواقع يحرسها خفير واحد. مما يجعل اقتحام المكان متاحا.. يلغيه التنسيق الذي يجب أن يتوثق بين الوزارات المعنية. كانت رئاسة الجمهورية في العهد الراحل تصف عشرات الألوف من الجنود. فيما يسمي التشريفة لا أعادها الله لاستقبال الحاكم في زيارات تتعطل فيها مصالح العباد والبلاد. كما اعتادت الوزارات المختلفة أن تلجأ إلي الشرطة لحماية مؤسساتها وأنشطتها المختلفة. حتي مباريات الكرة يفوق فيها عدد الجنود أحيانا عدد المشاهدين! أثق أن زاهي حواس يعي جيدا خطورة النزف الذي يمثله نهب الآثار. ما يضيع يصعب. إن لم يكن من المستحيل استرداده. ومدن العالم بما تضمه من الآثار المصرية شاهد علي الخلل الذي تعانيه الجهات المسئولة عن الآثار. وهو خلل في حجم الجريمة. واللافت أن المساحة الزمنية ليست مقتصرة علي سنوات مضت. فما يطالعنا به الإعلام يؤكد أن سرقة الآثار تعيش في السنوات الماضية عصراً مزدهراً. الدكتور حواس يلقي اللوم علي جهات لم يحددها بأنها تترك الآثار متاحة للسرقة. وليأن لي الوزير أن أضع وزارته في مقدمة تلك الجهات. لا قيمة لمتاحف ولا اكتشافات ولا ترميمات ما لم يسبق ذلك كله حرص علي أن تظل الآثار بعيدة عن الأيدي الناهبة. بل إن الحفاظ علي آثارنا الموجودة له أولوية قبل محاولة استرداد آثارنا المسروقة. الآثار الموجودة في حوزتنا. أما تلك التي نسعي لاستردادها. فهي في أفق التمني. ولعلي استعير من د.علي رضوان رئيس اتحاد الأثريين العرب تساؤله: كيف نجرؤ علي المطالبة بحجر رشيد ورأس نفرتيتي من المتاحف العالمية. ونحن غير قادرين علي حماية ما نملكه بعد احتفاظنا بها 14 قرنا وأكثر؟!