الرفاعي حمادة من مؤسسي الحركة النقابية لقناة السويس وعضو مجلس الشعب الأسبق يفتح خزائن ذكرياته لشط القناة ويعود بالذاكرة إلي أكثر من نصف قرن من الزمان يقول: كنت أعمل فني دقيق ميكانيكي سفن بترسانة بورسعيد البحرية وأتذكر أنه في عام 54 قبل تأميم قناة السويس بعامين قرر مجلس إدارة اللجنة النقابية لهيئة قناة السويس بالمدن الثلاثة "بورسعيد - الإسماعيلية - السويس" تنظيم مسيرة ضمت المئات من العمال بالهيئة للذهاب إلي ميدان عابدين حاملين مفتاحاً ضخماً من الذهب صنعوه بأيديهم في ورش الهيئة ومقابلة الزعيم جمال عبدالناصر وأهدوا له المفتاح الذهبي وطالبوه بتأميم قناة السويس حيث كان الشعور الوطني في ذلك الحين يري أن الشركة العالمية لقناة السويس البحرية هي دولة داخل دولة وتمثل نوعاً من الاستعمار الاقتصادي ومساساً بالسيادة الوطنية ينبغي القضاء عليه في إطار معركة التحرير الوطني التي كان شعبنا يخوضها باعتبار أنه ليس هناك أكثر من قناة السويس أهمية في حياتنا أنها تمثل بحق شريان الحياة وأرض الكفاح والنضال والانتصارات العظيمة التي جرت علي ضفتيها. يضيف الرفاعي حمادة أن قناة السويس المصرية هي الأرض المقاومة ضد الاستعمار وهي الموقع البحري الاستراتيجي الخطير الذي انتزعته مصر بالتأميم من أعتي القوي الاستعمارية في العالم لتعيدها للوطن بعد أن تعرضت لأكبر عملية نصب واستيقظ عالم الخمسينيات صباح السابع والعشرين من يونيه ليجد أمامه ما حدث في مصر "التأميم" الذي أعاد الحق للشعب المصري صاحب القناة الذي دفع من دماء أبنائه 120 ألف شهيد. يعود الرفاعي إلي الوراء حيث مشهد خطاب الزعيم جمال عبدالناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية يقول: "كنت ضمن القوة التي كانت ترافق السيد الرئيس حين ذاك حيث كانت لحظة من أعظم لحظات حياتي التي لا يمكن أن انساها حيث كنت مجنداً "شاويش فصيلة" داخل الحرس الجمهوري الذي يتولي تأمين جمال عبدالناصر كان موقعي داخل شرفة الغرفة التجارية بميدان المنشية بالإسكندرية. وكنت علي مقربة من الرئيس عبدالناصر وكان عدد الحاضرين كبيراً جداً وقيادات الدولة كلها أمامي. وفجأة أعلن قرار التأميم الذي هز المؤتمر وتعالت الهتافات لدرجة أن أحد كبار المسئولين بالدولة احتضنني وأخذ يهتف بصوت عال "تحيا مصر.. تحيا مصر" وكنت أرددها من داخلي ولم استطع الهتاف لأنني في خدمة ولا يمكن أن انفعل مع الجماهير. ولكن بعد انصراف الرئيس أخذنا نهتف ونرقص بكل قوة مع زملائي لأنني بورسعيدي ومن أبناء القناة وكنت أري ما يفعله الأجانب أمامي داخل الهيئة في بورسعيد وكنت أتمني بين لحظة وأخري أن يدير هذه القناة مصريون لأنها علي أرضنا وحفرها المصريون بدمائهم وأرواحهم فكيف يذهب خيرها لغيرنا. يضيف: كانت سعادتي لا توصف فقد كان عمري 26 عاماً وشعرت بالفخر وعلم مصر يرتفع ويرفرف علي منشآت هيئة القناة. وبعد القرار رفع درجة الاستعداد القصوي بين صفوف الجيش المصري. وبدأ العدوان الثلاثي علي بورسعيد في 29 أكتوبر 1956 ثم انتقلت مع الرئيس عبدالناصر من منزله بمنشية البكري إلي مركز قيادة الثورة بالجزيرة. وكان قلبي يتمزق وأنا أسمع من خلال الراديو تفاصيل الاعتداء علي بلدي بورسعيد وأنا في الخدمة ولا أستطيع الذهاب للدفاع عن أهلي وبلدي حتي تم الجلاء في 22 ديسمبر 1956 بعد أن ضرب أبناء بورسعيد أروع صفحات النضال الوطني في الصمود والتحدي. يقول: بعد أدائي الخدمة العسكرية قررت أن أترك عملي في إحدي الشركات والتحقت بالعمل بهيئة قناة السويس في مايو 1957 لأعمل بها وهي مصرية وتحت الإدارة المصرية وظللت أعمل بها حتي خروجي علي المعاش.