هذه هي الرؤية التي انطلق منها مؤتمر مواجهة الإرهاب الذي نظمته الشقيقة "الجمهورية" ويختتم أعماله اليوم وشاركت فيه نخبة كبيرة من أساتذة السياسة والاقتصاد والثقافة والإعلام وخبراء الأمن والدراسات الاستراتيجية. يتبني المؤتمر مفهوم المواجهة الشاملة.. ففي عالم اليوم صار الإرهاب يهدد دول العالم أجمع لأسباب شتي.. وصارت تتبناه جماعات عديدة تختلف في الدين والمذهب لتحقيق أهدافها.. صحيح أن العالم لم يتوصل حتي هذه اللحظة إلي تعريف محدد للإرهاب لكننا رغم ذلك صرنا أكثر إحساساً بمخاطره وأكثر قدرة علي اكتشافه مهما اتخذ من أشكال وممارسات وعناوين براقة. ومفهوم المواجهة الشاملة الذي تبناه مؤتمر "الجمهورية" خرج بالإرهاب من الدوائر التقليدية.. فلا تنحصر مواجهته في المؤسسة الدينية باعتباره قضية دينية.. ولا تنحصر مواجهته في المؤسسة الأمنية باعتباره قضية أمنية.. وإنما تتسع المواجهة لتشمل كل الأجهزة والمؤسسات الحيوية في المجتمع. المواجهة الشاملة تعني تكامل الأدوار وفق استراتيجية واضحة المعالم.. ومن ثم كانت هناك محاور سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وأمنية وفنية في المؤتمر.. يطرح من خلالها الخبراء في كل مجال رؤاهم استناداً إلي قاعدة "المصارحة والمكاشفة".. وتدور مناقشات حول الظروف التي يمكن أن تخلق بيئة تساعد علي الإرهاب وكيفية علاج وإصلاح هذه البيئة حتي يعود المجتمع إلي سلميته وأمنه. في هذا الإطار يركز كثير من الخبراء حول قضية "الوعي ودوره في التنوير" ومن هؤلاء الذين يجب عليهم أن يقوموا بهذا الوعي.. الوعي بصحيح الدين في مواجهة التعصب والتطرف والتفريط.. والوعي الثقافي بما يصح بثه من قيم لا تصطدم مع هوية المجتمع.. والوعي بالدور الإيجابي لوسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي بما يبتعد بها عن العشوائية والفوضي.. إلي جانب قضايا التهميش السياسي وانسداد أفق الإصلاح والتغريب الثقافي والتدهور الفني. نحن نريد أن نحارب الإرهاب بفاعلية وننتصرعليه ليعيش الناس في أمن وسلام.. لذلك علينا أن نحاصر الأسباب التي تصنع الإرهاب وعلينا. أن نجفف منابع التقيح المجتمعي والسياسي والاقتصادي التي تدفع الشباب إلي معسكرات الإرهاب.. وأن تكون مداخلنا صحيحة.. فالفكر يحارب بالفكر.. والسلاح يواجه بالسلاح.. والإعلام الكاذب يواجه بالحقائق الكاملة. لذلك أتوقع أن تصدر عن مؤتمر "الجمهورية" توصيات جريئة تعكس الانفتاح العقلي الذي اتسمت به المناقشات.. وفي مقدمة هذه التوصيات كما أتوقع المطالبة بقانون لحرية تداول المعلومات واطلاق الحريات العامة وضمانات لحرية الإعلام والحوار الجاد مع الشباب دون وصاية. وما يقال عن الإرهاب المحلي يقال عن الإرهاب الدولي العابر للقارات فلا شك أن تطبيق معايير العدالة في النظام العالمي وإنهاء الاحتلال والظلم والاضطهاد والحزم في مواجهة إرهاب الدولة سوف يساعد كثيراً علي خلق بيئة سلام عالمي لكل بني البشر.