رفع المصاحف عند النزاع بئست البدعة روي مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبدالله أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "من سن في الإسلام سنة حسنة. فعمل بها بعده. كتب له مثل أجر من عمل بها. ولا ينقص من أجورهم شئ. ومن سن في الإسلام سنة سيئة. فعمل بها بعده. كتب عليه مثل وزر من عمل بها. ولا ينقص من أوزارهم شئ". تذكرت هذا الحديث فور سماعي الدعوة للنزول اليوم رافعين المصاحف مطالبين بما أسموه ثورة إسلامية. فقلت في نفسي يا سبحان الله ما أشبه الليلة بالبارحة. فقد رفعت المصاحف علي أسنة الرماح في موقعة صفين في الفتنة الكبري بين فئة يتزعمها علي بن أبي طالب رضي الله عنه والفئة الأخري التي يتزعمها الصحابي معاوية رضي الله عنه. فلما لاح النصر لسيدنا علي رضي الله عنه واستشعر سيدنا معاوية ورفاقه وقوع الهزيمة بهم أشار داهية العرب عمرو بن العاص برفع المصاحف علي أسنة الرماح زاعمين الدعوة إلي تحكيم كتاب الله فما كان رد علي رضي الله عنه إلا أن قال: عباد الله إني أحق من أجاب إلي كتاب الله ولكنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن.. انها كلمة حق يراد بها باطل. إنهم والله ما رفعوها أنهم يعرفونها ويعملون بها ولكنها الخديعة والوهن والمكيدة وتأملت أيضا كيف ينطق الانسان ويدعو مفتخرا بما يدينه ويشينه ويلحقه بالبغاة والخوارج الأوائل. هكذا فعلت السياسة بالأمس وهكذا تفعل بنا وبقرآننا اليوم. لاشك أن الدعاة إلي هذه التظاهرات يعلمون بغلبة الظن أن التظاهرات عموما مظنة اشتباكات وصدامات وكر وفر. مما يجعل فرضية وقوع المصاحف وانتهاك حرمتها أمراً محققا لا ريب فيه. فلماذا اذن الدعوة إلي رفع المصاحف بل الاصرار علي رفعها. وإذا أفترضنا جدلا حسن النية عند مروجي هذه الدعوة وافترضنا أيضا أنهم لا يقصدون شيئا فوق الدعوة إلي تحكيم القرآن والعمل به كما يزعمون. وبغض النظر أيضا عما تنضوي عليه هذه الدعوة من افتراض كفر أفراد المجتمع حكاما ومحكومين باعراضهم عن الحكم بالقرآن. فإن ما يستوقفني حقا هنا سؤال واحد وهو: ما هو المكسب الكبير الذي يتساوي في نظر هؤلاء مع إهانة ورقة واحدة بل حرف واحد من المصحف الشريف؟ أهو الحكم بالقرآن كما يدعون؟ ماذا يريد هؤلاء؟ هل يريدون فتنة وصداما وضحايا وقتلي من أبناء مصر ممزوجة أوراق مصاحفهم بدمائهم التي لا تدري فيما قتلت. هل يريدون تحويل المصافح ودماء الشباب إلي مادة أكثر إثارة واستثارة لغضب الجماهير التي تتعاطف مع المقتول أيا كان. وتستثيرها الدماء أيا كانت. وتحركها الأغراض والأهواء أيا كانت؟؟ هل أصبح كتاب الله في خيالهم مطية لتحقيق فرصة أكبر في سباق الحكم المحموم. وان كنتم ترون أنفسكم أصحاب حق فهل تسترد الحقوق باهانة كتاب الله؟! أعتقد أن شعبنا شعب مصر الأبي. بما لديه من حس ديني. وبما لديه من توقير وإجلال ومحبة لكتاب الله تعالي. وبما خاض من تجارب وبما تراكم لديه من خبرات. لن يكترث لمثل هذه الدعوات ولن يتأثر بها أبدا بعدما رأي أن بلاده تسير قدما في طريق النمو والاستقرار ان التحديات العظيمة التي تمر بها مصرنا الحبيبة تحتاج من أبنائها إلي الاجتماع والمحبة والألفة. وأن تبتعد عن الفتن والخلافات وما يعكر صفو وحدتها واستقرارها ان الله سبحانه وتعالي طيب لا يقبل من العمل ومن الوسائل ومن المقاصد إلا ما كان طيبا. وبقدر حرصنا علي توقف التظاهرات في هذا اليوم والعمل علي ابعاد الناس عن مواطن الضرر والفتن والعمل علي لم الشمل وتوحيد الصف بقدر حرصنا أيضا ألا ينال مكروه أو أذي ورقة واحدة من كتاب الله تعالي. فكلنا فداء للمصحف الشريف إذا ما تقاذفته أهواء السياسة. وكلنا ثقة بحضارية الشعب المصري في مواجهة مثل هذه الأمور. ونحن أيضا علي ثقة تامة في رجال الأمن أن يتعاملوا مع مثل هذه المواقف بشكل حضاري قانوني مهني محترف "وقي الله شعب مصر الفتن والدسائس ما ظهر منها وما بطن".