الثقافة ليست مجرد المعرفة. ليست مجرد زيادة حصيلة المعرفة. ولا مجرد اضافة أرفف جديدة من المعلومات في داخل الذهن الإنساني. لكنها إسهامات متجددة. ومطلوبة. في تحقيق التفاعل بين المرء والعالم الذي يحيا فيه. وفي تعميق رؤيته الأكثر اتساعاً للأفراد. وللجماعة التي ينتسب إليها. وللعالم المعرفة لا قيمة لها ما لم يستتبعها محاولات لتطبيقها في الحياة اليومية. في احداث مراجعة للوعي والنظرة. وكما يقول ابن المقفع. فإن صاحب العلم يلزمه القيام بالعمل لينتفع به. وإن لم يستعمل ما يعلم لا يسمي عالما ولو أن رجلا كان عالما بطريق مخوف ثم سلكه علي علم به. يسمي جاهلاً. القول بأن المرء حصيلة ثقافته يحتاج إلي مراجعة. الأدق أن المرء حصيلة معرفته. وهي معرفة تشمل كل ما قرأه. واستمع إليه وشاهده واختبره لذلك فإن القول مثلا بأن ثقافتنا مصدرها الثقافة الغربية. فالمثقف العربي إذن حصيلة غربية "أي أنه لا صلة لفكره في أعماقه بطبقته وأرضه".. هذا القول يلغي المخزون المعرفي الذي يعد الموروث الشعبي حصيلته الأهم.. إن كل ما حصله الإنسان العربي من معرفة مصدرها الكتب الغربية. لا يلغي ما في داخله من موروث لا يقتصر علي أعوام حياته وحدها. وإنما يمتد آلاف السنين. هي عمر الموروث الذي تشكلت منه حضارة الشعب العربي. الثقافة بمعني قراءة الكتاب. وسماع المقطوعة الموسيقية. ومشاهدة المسرحية أو الفيلم.. هذه الثقافة ليست سوي "معرفة" يتعلم المرء جديدا يضيفه إلي مخزونه المعرفي. أما الثقافة بالمعني الذي أقدره فإطارها السلوك. الفعل. التصرف. المثقف هو الإنسان ذو المعرفة والموقف الحضاري في آن.. لا قيمة لقراءة الكتب وسماع الإذاعات ومشاهدة المسرح والسينما والقنوات الفضائية. ما لم يلتحم بذلك كله سلوك يعني بالتطبيق الايجابي والفعال لكل ما حصله المرء من معرفة. إذا أفاد المرء من معرفته في تصرف ايجابي. فذلك تصرف مثقف. والثقافة صفة يصح أن نطلقها علي صاحبها. ثمة متعلمون يحملون في رءوسهم ما حفظوه. دون أن يشغلهم التطبيق. يفيدون من ذاكرتهم الحافظية أو الاستيعابية. لكنهم لا يحاولون الإفادة مما أودعوه ذاكرتهم في الاضافة والتطوير. الثقافة إذن ليست مجرد معلومات نظرية. لكنها حصيلة لجميع المعلومات التي يكتسبها المرء خلال حياته. واستخدامها بصورة مفيدة وايجابية وفعالة.