حينما كنت أتجول في شوارع وسط البلد وخصوصاً شارع فؤاد وبالتحديد أمام قهوة عليوة أمام مسرح متروبول لمحت من بعيد إثنين في حالة تركيز شديد يمارسان لعب الطاولة فاتجهت إليهما وكلما اقتربت منهما زادت رؤيتي للشعر الأبيض المنتشر فوق رأسيهما وبمجرد أن القيت السلام عليهما. وجدت ترحاباً وحفاوة بي لم أرها من قبل وقال الاثنان في وقت واحد "إتفضل.. لازم تشرب حاجة".. جلست بجوارهما وطلبت واحد شاي وهذا ما شجعني إلي أن أبدأ معهما هذا الحوار.. *الحاج ربيع زيدان عمره 68 عاماً. علي المعاش وبسؤاله عن أحواله أجاب: الحمد لله أنا بصحة جيده وتاريخي مشرف والحمد لله فقد شاركت في حرب 67 وحرب أكتوبر وكنت في ميدان الحرب واتذكر احد المواقف التي مازالت محفوره في ذاكرتي. إنني كنت في ساحة المعركة وصادف وجودي في خندق وكان بجواري صديق لي وزميل سلاح لن أنسي اسمه حتي آخر يوم في عمري هو "مكرم ناشد بولس" وواضح طبعا من خلال الاسم انه مسيحي. وفي لحظة ما وأنا في الخندق بتأهب للخروج وجدت صديقي يجذبني بعنف إلي داخل الخندق وبعدها سمعت صرخات تصدر من مكرم.. فاكتشفت أنه اصيب بطلق ناري من العدو.. نعم طلق ناري.. لقد فداني بنفسه واصيب هو وكاد يموت. هذا هو المصري الحقيقي والخل الوفي ذو المعدن الأصيل. نظرت إلي منافسه الجالس أمامه في لعبة الطاولة وجدت رجلاً متفائلا ومقبلا علي الحياة.. مبتسماً ووجهه بشوش فبادرته بالسؤال عن أسمه فأجاب: * أسمي أبوملاك وعمري 68 عاما وعلي المعاش مثل الحاج ربيع وأنا سعيد جدا والحمد لله والحياة بالنسبة لي وردي وردي وزي الفل.. وهذا الرجل أشار إلي الحاج ربيع أعز اصدقائي فعلي الرغم من أنه مسلم وأنا مسيحي ولكن لا نستطيع الاستغناء عن بعض أبدا. ولكن ما يضايقني منه بجد. أنه بيكسبني علي طول في الطاولة. عارف ليه؟ فسألته: ليه يا عم ملاك.. لأنه "بيقرص كتير في الزهر" وبيجيب بافات كتير بس هو حبيبي وأتمني أن نعيش سوياً في صحة جيدة وعلي خير ما يرام وسارت الضحكات تعلو جنبات المقهي وتركتها وأنا في قمة السعادة انه لازال هناك نماذج بهذا الشكل نفخر بهم علي أرض هذا الوطن الحبيب مصر .