الأرز في مصر لا يقل أهمية عن القمح الذي ينتج منه رغيف الخبز فملايين المصريين يستخدمون الأرز كغذاء اساسي لهم قد يغنيهم ويعوضهم عن الخبز. رغم ذلك لا يحظي منتجو الأرز باي دعم من الدولة أو علي الاقل ضمان تسويق محصول الأرز بسعر مناسب من جانب الدولة بدلاً من أن تترك المزارعين للتجار الذين يحصلون عليه باسعار متدنية في حين تبيعه المتاجر الكبري والهايبر للمستهلك بضعف ما يحصل عليه المزارع. سياسات تسويق الأرز وعدم التنسيق بين الوزراء المعنيين بملف الأرز ادي إلي فوضي عارمة في هذا السوق بدأت منذ العام الماضي عندما وافق وزير التجارة والصناعة "منير فخري عبدالنور" علي فتح باب تصدير الأرز وفقاً لآليات معينة كما وافق رئيس الوزراء حازم الببلاوي وقتها وصدر قرار وزاري بتنظيم مناقصات للتصدير ثم فوجيء المصدرون وهم علي وشك تنفيذ المناقصات بقرار من وزير التموين والتجارة الداخلية وقتها "محمد أبوشادي" يغلق فيه باب التصدير حفاظاً علي حصة التموين ليتم وقف تنفيذ المناقصات. في العام الحالي تكرر الموقف ولكن باختلاف التفاصيل فهذه المرة وافق وزراء المالية والتجارة والتموين علي التصدير فيما رفض وزير الري والموارد المائية التصدير خشية اهدار المياه "الشحيحة" من خلال تشجيع المزارعين علي زراعة الأرز "الذي يستهلك المياه بشراهة" بأزيد من المساحات المحددة وبالمخالفة لقرارات وضوابط الوزارة ثم تصديره ليستفيد المستهلك الخارجي بالمياه المصرية والحقيقة أنني اتعاطف مع موقف وزارة الري بعد أن دخلت مصر بالفعل مرحلة الفقر المائي ليصبح تصدير الأرز ضد الأمن المائي المصري وفقاً لما أكده لنا رئيس مصلحة الري لكن في نفس الوقت يجب ألا يكون المنتج أو المزارع ضحية السياسات الزراعية الخاطئة وضحية عدم التنسيق بين الوزارات المعنية بملف الأرز وهو ما حدث عندما اغلقت الحكومة باب التصدير لينخفض سعر الأرز ليجد المزارع نفسه امام خيارين فإما أن يبيعه بسعر بخس للتجار أو يخزنه في مخازن غير مجهزة مما يؤدي إلي فقد نسبة لا تقل عن 30% من المحصول. فضلاً عن توقف قطاع المضارب الحكومية عن عدم توريد الأرز في الوقت الذي توقفت فيه مناقصات وزارة التموين لشراء الأرز بعد التحول للمنظومة التموينية الجديدة والتي قللت من استهلاك الأرز من خلال المنظومة بعد رفع اسعاره لتصبح "450 قرشاً" مقابل جنيهين للكيلو قبل التحول للدعم النقدي. والغريب أن انخفاض اسعار الأرز لدي المزارعين لم ينعكس مطلقاً علي اسعار البيع للمستهلك لتظل عند مستوياتها التي تتراوح بين 450 قرشاً و650 قرشاً مقابل نحول 300 قرش في الجملة. وفي ظل التضارب الشديد الذي يسود موقف المصدرين والجناح المؤيد لهم والذي يضم وزارة التجارة التي تتبني موقفهم والمالية الحريصة علي الحصول علي رسم الصادر الذي تقدر حصيلته بعدة مليارات والتموين التي لم يعد يهمها ملف الأرز من عدمه بعد حل مشكلة أرز البطاقات التموينية وبين وزارة الري التي تعارض فتح باب التصدير تبدو اشكالية غياب السياسات المنظمة لزراعة وتسويق المحاصيل الاساسية في مصر مثل. الأرز والقطن والذرة الصفراء علي الرغم من الأهمية الاقتصادية الكبيرة لهذه المحاصيل خاصة القطن والذرة وهما بدائل للأرز يمكن أن يتجه اليهما المزارع اذا ما وضعت الحكومة سياسة تسويقية محترمة تضمن سعراً عادلاً للفلاح من جهة كما تضمن استخداماً اقتصادياً كفؤا لهذه المحاصيل. المشكلة ليست في تصدير الأرز من عدمه ولكنها عدم وجود سياسات شفافة واضحة لزراعة المحاصيل الرئيسية وتسويقها مما يساعد الفلاح علي اختيار المحصول المناسب الذي يضمن له دخلاً عادلاً كما تضمن قيمة مضافة للاقتصاد القومي.