قرية "ميت الحارون" إحدي القري المغمورة التابعة لمركز زفتي بمحافظة الغربية التي لم يسمع عنها ولا يعرفها الكثيرون ولكنها في الفترة الأخيرة جذبت إليها الأنظار بعد ان أطلقوا عليها قرية الذهب الأسود وأصبح يتوافد عليها العديد من تجار الجلود والمنتجات الجلدية بعد ان تحولت لامبراطورية كبيرة وأصبحت تنفرد بصناعة مهمة تخصص فيها سكانها وأهلها وشبابها وهي صناعة إعادة تدوير إطارات الكاوتش المستعملة. القرية أو الامبراطورية تتعامل مع كاوتشوك جميع أنواع السيارات والجرارات الزراعية وسيارات الأتوبيسات وتحويلها إلي منتجات نافعة تباع بأسعار مرتفعة مثل خراطيم المياه والمقاطف الجلد والأحذية والبلاط المطاطي وكرات القدم. هذا بالإضافة لاستخراج الأسلاك التي توجد في باطن الكاوتش الخاص بإطارات السيارات بعد حرقه في المرحلة الاخيرة واستخدامه في عمليات البناء وهو ما أصبح يحق ربحاً مادياً كبيراً لأصحاب هذه الصناعة والعاملين بها. بدأت قصة القرية منذ عدة سنوات من خلال مشروعات صغيرة لا تحتاج لوجود رأس مال تعتمد علي ورشة أو مصنع لا تزيد مساحته علي 50 متراً مربعاً به بعض المعدات البسيطة آلة صغيرة يطلقون عليها الونش وهي آلة يدوية تدار بواسطة تروس تستخدم في استخراج شرائح الكاوتش المستعمل بسهولة وبطريقة توفر المجهود العضلي للعاملين في هذه الصناعة بالإضافة لشاكوش ومقص وسكين وهي المعدات التي يتم استخدامها في هذه الصناعة وهي بالطبع آلات ومعدلات بسيطة. بينما يتم تجميع إطارات السيارات الكاوتش المستعملة من ورش تصليح اطارات السيارات المنتشرة في انحاء محافظات مصر بواسطة عمال متخصصين يطلقون عليهم السريحة والذين يتجولون في أنحاء البلاد لتجميع أكبر كمية من الإطارات وتوصيلها إلي مصانع القرية. هذه الإطارات يتم طرحها للبيع في مزادات علنية بالقاهرة والإسكندرية وعدد من المدن السياحية وتكون من نصيب مصانع قرية ميت الحارون. هناك وجه آخر سلبي لهذه الصناعة التي أصبح سكانها خاصة الأطفال الصغار مهددين بالإصابة بالأمراض والأوبئة الخطيرة بسبب التلوث الناتج عن حرق كميات كبيرة من إطارات الكاوتش بشكل يومي وهو ما يؤدي إلي تصاعد الأدخنة الكثيفة التي تحول سماء القرية بالكامل إلي سحابة سوداء علي مدار ساعات اليوم خاصة في الفترة المسائية التي تشهد عمليات حرق الكاوتش. يقول عبدالرحمن إبراهيم صاحب ورشة إن القائمين علي هذه الصناعة يحاولون تفادي مشكلة التلوث قدر الإمكان بقيامههم بعمليات حرق الكاوتش ليلاً فقط وفي الوقت الذي يكون فيه جميع سكان القرية داخل منازلهم. سعيد عبدالعزيز من أهالي القرية أبدي استياءه من هذه المشكلة مؤكداً ان الأمور زادت عن حدها خاصة منذ اندلاع أحداث ثورة 25 يناير التي صاحبها حالة انفلات أمني ساعد كثيراً في تفشي وانتشار هذه الظاهرة الخطيرة التي أصبحت تهدد حياة وصحة سكان القرية والقري المجاورة. أشار سعيد جمعة إلي أن الوضع أصبح خطيراً ويزداد سوءاً في ظل استمرار عمليات حرق الكاوتش طوال ساعات الليل مما ينتج عنه أدخنة لا يمكن تحمل رائحتها لاحتوائها علي العديد من المواد السامة مما يهدد حياة وصحة أهالي القرية خاصة الأطفال الصغار. من جانبه اعترف الدكتور جمال الصعيدي رئيس جهاز شئون البيئة بمنطقة وسط الدلتا بأبعاد وخطورة المشكلة والتي لها تأثيرها السلبي بالفعل علي تلوث البيئة. أضاف ان المشكلة تزايدت وتفاقمت بشكل كبير عقب أحداث ثورة 25 يناير واستغلها البعض في ارتكاب المخالفات وتقوم حالياً حملات مستمرة علي القرية وتحرير مخالفات لأصحاب هذه الورش ومصادرة المعدات في محاولة لإيقاف هذه الظاهرة. قال الدكتور الصعيدي إن أحد الأشخاص تقدم بمشروع اختراع لإنشاء أفران خاصة يتم من خلالها حرق الكاوتش ومعالجة الأدخنة الناتجة عن عمليات الحرق بشروط آمنة وتم الاتفاق معه علي تدعيمه من جانب وزارة البيئة في حالة التأكد من نجاح الاختراع ولكن للأسف لم يكن الاختراع موفقاً ولم يأت بأي جديد. المشكلة كما يقول ان الغالبية العظمي من سكان القرية أصبحوا يعملون بهذه الصناعة وتمثل لهم مصدر رزق أساسي مما أدي لانتشارها في كل مكان كما أن عمليات حرق الكاوتش تتم ليلاً وفي ساعات متأخرة. الخطير في الأمر هو ما ذكرته تقارير صادرة عن جهات متخصصة في علوم البيئة تشير إلي ان حرق اطارات الكاوتش تنجم عنه مواد ملوثة وضارة بالإنسان والحيوان والنبات وتلوث الهواء وتفرز مواد سامة في التربة .