هم 138 شاباً من أوائل كليات الحقوق كان قد صدر قرار من المجلس الأعلي للقضاء بتعيينهم معاونين نيابة عامة في 28 يونيه 2013 ثم تم استبعادهم مؤخراً من كشوف التعيينات لسبب عجيب وهو اشتراط ضرورة حصول الوالدين علي مؤهل عال. وتردد خلال الأيام الماضية أن أحد أعضاء المجلس الأعلي للقضاء صرح بأنه لا يجوز قبول أبناء عمال النظافة في القضاء.. وهو التصريح الذي أثار اعتراضات واسعة.. كتب الأستاذ محمد فوده مقالاً في مجلة حريتي بعنوان "أبناء الزبالين يمتنعون" هاجم فيه مبدأ التمييز بين أبناء المصريين.. وتحدث الأستاذ مجدي الجلاد رافضاً ومعترضاً.. ومؤكداً أن التمييز لصالح أبناء القضاة. يوم السبت الماضي عقدت مجموعة ال 138 مؤتمراً صحفياً تحت عنوان "غياب العدالة الاجتماعية في تعيينات النيابة العامة" طالبوا فيه بسرعة تصحيح الوضع واستعادة حقهم في التعيين احتراماً والتزاماً بقرار المجلس الأعلي للقضاء الذي تم تحصينه بمرور المدة القانونية خاصة أن القرار الجديد الذي لم يشمل اسماءهم لم يشر إلي استبعادهم من قريب أو بعيد ومن ثم فهم معينون بالفعل.. وبالإضافة إلي ذلك فإن قانون السلطة القضائية ينص علي أن تاريخ التعيين أو الترقية يحتسب من تاريخ موافقة أو أخذ رأي المجلس الأعلي للقضاء بحسب الأحوال وأن توقيع رئيس الجمهورية ما هو إلا كاشف. والحقيقة أن قضية مجموعة ال 138 وضعت المجتمع كله في مأزق كبير.. مجتمع يتحدث دستوره وتتحدث قوانينه عن المواطنة والمساواة لكن الممارسة تناقض هذه النصوص الجميلة.. وقد سبق أن تقدم شاب مجتهد من خريجي كلية الاقتصاد والعلوم السياسية إلي الاختبار للتعيين في وزارة الخارجية.. ووضع اسمه "عبدالحميد شتا" علي رأس القائمة باعتباره الأول لكنهم كتبوا أمامه "غير لائق اجتماعياً" وهو ما دفع الشاب إلي الانتحار في النيل. اليوم تتكرر المأساة ليس في شاب واحد ولكن في 138 شاباً لأسباب غير منطقية وغير منصفة.. فمنذ متي وفي أي شرع يقيم الإنسان بمستوي والديه.. مع أن العدالة تقتضي أن أبناء عمال النظافة ومن في حكمهم يجب أن يكون التمييز لصالحهم وليس ضدهم.. لأنهم اجتهدوا وتفوقوا رغم ظروفهم الصعبة ولم تكن لهم واسطة. ولو بحثنا في الآباء والأجداد عن أصحاب المؤهل العالي لما بقي مسئول كبير في الدولة في مكانه.. لأن الجيل الذي يمسك بزمام الأمور في البلاد الآن هو الجيل الذي تعلم وخرج إلي الحياة مع ثورة يوليو 1952 التي أنصفت أبناء الطبقة المتوسطة.. أبناء العمال والفلاحين.. وساوت بينهم وبين أبناء الباشوات لأول مرة في تاريخ المصريين.. وكان هذا انجازاً عظيماً.. فهل نحن الآن نعود للوراء؟! الدكتور رأفت فودة أستاذ القانون يرفض استبعاد أبناء عمال النظافة ويقول إن العنصرية والإقصاء والفرقة والتمييز والكبر والغطرسة كلها أساس مثل هذا القول الذي ينسف فكرة المساواة وتكافؤ الفرص ويصادم الأديان السماوية والمواثيق الدولية.. فلا فضل لعضو مجلس القضاء ولا لأستاذ الجامعة ولا للوزير ولا لرئيس الدولة علي عامل النظافة وعلي البواب وعلي الخفير وعلي المؤذن إلا بالتقوي. وأخيراً.. فإن شروط تولي أي وظيفة ينبغي ألا تتعدي الفرد إلي شخص آخر أيا كانت درجة قرابته.. "كل نفس بما كسبت رهينة".