فيلم صرخة نملة ليس فيلما تجارياً يراد به إضحاك الجمهور وتحقيق إيرادات ومكاسب كبيرة وعرضه في هذه الظروف التي يتوقع فيها الجميع عدم إقبال الجماهير علي السينما قد يكون موفقاً لأن الفيلم نفسه يتناسب تماماً مع هذه الظروف فهو يجسد "إلي حد ما" ما كان يعانيه الشعب المصري في ظل النظام السابق.. وإذا قدر له وعرض قبل الثورة لكان تعد ارهاصة له فالمواطن المصري الذي تضاءل وانكمش ليصبح بحجم نملة تخشي أن تدهسها الأرجل تعاظمت قوة هذه النملة وصرخت صرخة ثورة عظيمة طال انتظارها. من حسن حظ الفيلم أنه جاء ايضا بعد الثورة مباشرة فلم يلق أي تضييق أو مضايقة من النظام في عرضه بل رحبت به دور العرض والجماهير بعد عودته معبراً عن بواعث الثورة في مهرجان كان الذي عرضه وصفق له جمهوره طويلاً. صرخة نملة.. تعمل عملة.. والعملة هنا كبيرة ثورة بحجم الثورة المصرية.. ثورة سلمية حضارية رائعة في كل مقوماتها وباتت نموذجاً نتمني أن تحتذي به الثورات.. ثورة أسقطت نظاماً متوطناً باطشاً فاسداً أذل الشعب المصري علي مدي ثلاثة عقود من الفساد ولكنه انقشع في أيام وأصبح ماضياً أسوداً تسجله كتب التاريخ. وبحسه كمخرج صور سامح عبدالعزيز مشاهد من أيام الثورة من ميدان التحرير ليضمها إلي "صرخة نملة" مشاهد أضافت زخماً خاصاً للفيلم وجعلته يبدو وكأنه جاء متزامناً مع الثورة مع أنه تم تصويره قبلها ولكن نهايته التي قادت إلي نوع من ثورية الشباب التي توافقت مع الثورة. الفيلم لامس الواقع المصري وهمومه من خلال حكاية بسيطة حيث يدور حول الشاب جودة الذي ذهب للعمل في العراق بعد أن سدت أمامه منافذ الرزق في بلده وحينما يقرر العودة إلي مصر يفاجأ بتغييرات اقتصادية واجتماعية وسياسية غاية في السوء ويكتشف أن زوجته اضطرت للعمل كراقصة فيقرر الثورة علي هذه الأوضاع. ويلعب دور جودة الفنان عمرو عبدالجليل المواطن المصري الذي كان يرضي بأقل القليل ويعيش متقوقعاً منكمشاً علي نفسه كالنملة في ظل حكم مستبد فاسد ولكن هذه النملة تظل صامدة ساخطة علي حالة اليأس والإحباط والفساد الذي طال البلاد والعباد.. ولكن عندما تصرخ وتهب هبة واحدة علي الظلم والفساد وتستطيع أن تثور وتنجح في إزاحة أقوي نظام بوليسي فاسد في العصر الحديث. الفيلم تلعب فيه رانيا يوسف شخصية وفاء الزوجة التي تركها زوجها وسافر للعراق هرباً من الظروف المعيشية الصعبة وتضطرها الظروف إلي العمل كراقصة وتعاني هي الأذي من ظلم وتوحش المحيطين بها الذي أرادوا لها أن تنساق في طريق الرذيلة أو الزج بها في السجن في قضية سرقة ملفقة.. وفي طي هذه الحكاية البسيطة يتعرض الفيلم لحال الشعب المصري المطحون في ظل النظام السابق ويتابع أزماته من الرغيف إلي البوتاجاز إلي البطالة إلي التعذيب في السجون والبطش في الأقسام إلي السرطان في المستشفيات وفيروس الكبد في البطون إلي حياة القصور إلي الخصخصة ونهب الثروات.. كلها دوافع أدت إلي أن تصرخ النملة.. وتعمل العملة "ثورة مصرية" يتحاكي بها التاريخ.