داود عبدالسيد ليس مخرجاً كبيراً موهوباً فحسب. بل هو أحد المثقفين العرب الكبار الذين يتفاعلون مع الشأن العام سواء في أعماله السينمائية المحترمة دائماً أو في الإدلاء بآرائه الشخصية الثاقبة حول مجريات الأمور علي الساحة السياسية والاجتماعية. من هنا فإن استطلاع رأيه الخاص حول ما يجري في مصر الآن إنما يضيف فهماً عميقاً للأحداث واستشرافاً لما يحدث. ما تقييمك لأداء الحكومة الحالية؟ * السلطة الحاكمة الآن غير مؤهلة للحكم المدني وهذا ليس عيباً لأنها تربت علي الانضباط والتراتبية. بخلاف المدنيين. وما يحدث حالياً بسبب حالة من التوهان. وسط هذا الخضم من الآراء المتعارضة. فكلما أصدر المجلس العسكري قراراً نقده. فيخلق حالة من التوتر. ذلك أن القوانين العسكرية قائمة علي الطاعة وتطبيق القانون بشكل حازم. مما يجعل هناك تناقضاً بين طبيعة المجلس العسكري ومهمته السياسية. بخلاف أنه يحاول إيقاف الانتقاد له ويقف ما بين الدفاع عن نفسه وتوضيح مبرراته. وأظن أنه في حاجة لظهير مدني يدافع عن قراراته. هل مصر في طريقها لأن تصبح مجتمعاً مدنياً؟ * نحن الآن بلا حكم مدني. ويجب علي المجتمع السياسي التعامل مع أبجديات السلطة بدون طرح تناقضات كبيرة. لأنه حتي الآن لا يستطيع المجلس العسكري التعامل مع الحالة الحالية بما تشهده من الصراعات السياسية. ولكي تتحقق حالة الدولة المدنية يجب أن ينقشع الإحساس بأن المجلس أكثر تحيزاً لاتجاه سياسي معين وبحدوث حالة من الاستقطاب واستقواء اتجاه سياسي علي الاخرين. وشعور هؤلاء بالغيرة من ذلك التحيز وهذا يجب أن ينتهي فوراً ولن يكون ذلك بالإنكار ولكن بالتوقف الفوري عن ذلك. تقصد بالتحيز للإخوان؟ * حتي لو كان ذلك غير صحيح من وجهة نظر المجلس العسكري لكنه إحساس بقية القوي الوطنية. ولنتحدث بصراحة ..الجميع ينظر للانتخابات القادمة علي أنها فرصة مواتية جداً للإخوان وصعبة جداً علي بقية القوي. وهناك اقتراح ليس من مخيلتي الخاصة ولكن أظن أن هناك اجماعاً من باقي القوي السياسية عليه وهو أن تعلن مباديء تقوم علي وجوب الدولة المدنية وكذلك الحريات الخاصة. أو ما يسمي بالمبادين فوق الدستورية وأظن أنه لم تحصل خلافات ضخمة لو حدثت تلك الاتفاقات. وسوف يريح باقي القوي السياسية. خاصة بعد قانون الأحزاب الذي صدر بشكل بعيد عن التوافق الشعبي. وكذلك ما يقال عن الانتخابات القادمة حيث الثلث بالقوائم النسبية والثلثين بالفردي. ما رأيك في تحويل بعض الإعلاميين للنيابة العسكرية؟ * في وجهة نظري أنه نوع من أنواع التخويف فأي شخص يتم استدعاؤه للنيابة العسكرية أو حتي النيابة العامة أكيد سيمتلكه إحساس بالخوف فنحن مهما كنا لسنا أبطالاً صناديد. ولا يوجد أي سبب في ظني لذلك الاستدعاء. هل تري أن الجيش لا يستطيع حفظ الأمن في الشارع المصري؟ * هذا لا يعيب جيشنا الوطني فهو أقدر علي حماية حدودنا من العدو الخارجي ولكن مهمة الداخل للشرطة وتلك عقيدة الجيش التي نحترمها جميعنا وليس من المنطق أن نعتمد علي دبابة في حراسة شارع. نحن متأكدون تماماً من وطنية الجيش ومن قدراته العالية جداً علي حماية حدود مصر ولكن عازف الكمان البارع لا يستطيع أن يدير مؤسسة تجارية. ما الطريقة المثلي في وجهة نظرك للتعامل مع الحال المصري الآن؟ * أظن أن الاحتكاكات بين القوي السياسية واختلافات الرؤي ستقل عندما يتم التأكيد علي أن الشعب لن يتنازل عن طموحاته في ثورة 25 يناير وأن تتم إدارة تلك الطموحات بشكل بناء. نحن نعلم جيداً أنه بدون سلطة الجيش كانت ستحدث فوضي. ولكن لا يجوز أن نسمع طول الوقت بأن الجيش لم يضرب المتظاهرين. لأنه جيش وطني وليس لأي سبب آخر. رغم أن ذلك الأمر في تكوين العقيدة العسكرية المصرية. ألا تري أن هناك مشكلة في التوجهات الثورية لكل التيارات الموجودة حالياً علي الساحة؟ * لقد قمنا بثورة هي الأولي من نوعها بدون قيادة ولا أجهزة قادرة علي تنظيم الأمور. وبمساعدة الجيش سنعبر من تلك المرحلة. لكن يجب أن يكون معلوماً أن المصريين ليس لديهم أي نية في التفاوض حول طموحاتهم في التغيير. والموجود حالياً هو طبيعي بعدما مر الفصل الأول من الثورة. ولو انتهت الأمور عند تلك النقطة من الإطاحة بحكم وليس بنظام كامل فليس هناك أي ثورة ويكون ما حدث هو "نتفاضة" فقط. الحل في مجتمع ديمقراطي وقبله دستور يحفظ لكل مصري حقوقه وكرامته. ما هي مواصفات ذلك المجتمع الديمقراطي من وجهة نظرك؟ * ان ينظر النظام للفئات الأقل حظاً ويحفظ إنسانية البشر في لقمة العيش والتعليم والصحة والحرية الشخصية. فليست الديمقراطية هي صندوق الانتخابات فقط ولكنها أيضاً نظام حياة كامل. وأذكر إليك معلومة عن إندونيسيا التي زارتها زوجتي مؤخراً بحكم عملها الصحفي وحدثتني عن عملية الانتقال الثوري هناك منذ 15 عاماً ومازالت مستمرة حتي الآن ولن تنتهي في فترة بسيطة. وكلما قلت فترة الانتقال للمجتمع الديمقراطي قلت الخسائر. لكن ذلك مرتبط بالتفاعلات المجتمعية ما بين الشعب والسلطة والقوي الاجتماعية والسياسية التي تعمل وهو أشبه بالتفاعل الكيميائي. حتي تصل إلي دستور جيد يليق بمصر هذا هو أساس الديمقراطية. وكما قال جمال عبدالناصر من لا يملك رغيفه لا يملك صوته وحينما لا يختار الشارع مرشحه بسبب الاجتياح ساعتها لن تكون هناك ديمقراطية حقيقية. هل فعلاً كانت ثورة 25 يناير ثورة شباب كما يطلقون عليها؟ * أظنك في نفس الفئة العمرية للشباب هؤلاء وأقول إنكم الطليعة الثورية التي قادت صباح أول يوم صيحات التغيير ولكن ما حدث بعد ذلك هو زخم شعبي بمختلف طبقاته وفئاته. والنجاح الأول الذي حدث في 11 فبراير كان العنصر الشاب فيه له الغلبة. ولكن ضد من يحاولون توصيفها بشكل فئوي عمري. وما رأيك في كل الاختلافات الموجودة في الشارع حالياً؟ * أظن أن تلك الاختلافات بين ائتلافات الشباب ما هي إلا جزء من التفاعل الكيميائي الحادث والذي سيفتح التغيير الكامل. جزء من تطهر المجتمع وفتح الباب أمام مراجعة كل شيء فينا. بما فيه حياتنا وثقافتنا ومجتمعنا ككل. وما هو الحال في نقابة السينمائيين باعتبارها جزءاً من حالة التغيير العامة؟ * نحن نحاول أن نطهر في خلية صغيرة من خلايا المجتمع. هناك مهزلة وفساد كامل كانت تقوده السلطة السابقة في جدول نقابة المهن السينمائية. وجعلتنا نعيش في مأزق الآن ما بين الرغبة في تنقية الجدول وكذلك وجوب تغيير مجلس النقابة. ونحن لدينا مشكلة بخلاف النقابات المهنية الأخري. فهي جداولها ليس بها أي مشكلة. بخلاف جدول نقابتنا. وأظن أن الحل في إسقاط جدول النقابة. أو جمعية عمومية تسقط مجلس النقابة والنقيب وهو لغز لا أجد له حلاً وكذلك هي حالتنا جميعاً في النقابة. وهل الحل في الانتخابات؟ * هذا جزء من اللغز فالانتخابات مبنية علي الجدول القديم الذي يحتاج إلي تنقية ممن هم غير العاملين بالسينما ولكن فكرة تنقية الجدول من الأساس تحتاج إلي قرار فوقي قد لا يستطيع الحصول عليه المعتصمون في مقر النقابة. هل تحدثت مع الزملاء المعتصمين في تلك المعضلة؟ * طبعاً.. وطرحت عليهم فكرة خوض الانتخابات وطبعاً الآن لن يكون هناك حشد بحكم من وزير الإعلام كما حدث في السابق. وذلك في صالح تيار الاستقلال بالنقابة خاصة أنه رغم الحشد وأتوبيسات التليفزيون التي كانت تنقل الناس بالأمر إلا أنه لم يكن الفارق كبيراً بين الفائز والذي يليه. وما رأيك فيما حدث من إعادة هيكلة المركز القومي للسينما واختيار مجلس إدارة جديد له؟ * لدي اعتراض واحد فقط علي أنه لم نعرف طريقة اختيار أعضاء مجلس الإدارة ولكن فيهم فنانين أحترمهم جداً وأظن أن بإمكانهم إدارة كل المهام التي أصبحت ملقاة علي عاتقهم أو جزء منها إدارة صحيحة. كيف نظرت لما حدث في مهرجان كان من بعض النجوم والنقاد ضد فيلم "إلا يوم"؟ * لقد تابعت التفاصيل من بعيد وغير سعيد تماماً بالمواقف التي حدثت. اعتراض البعض علي أن هناك أشخاصا تعاملوا مع حملة مبارك الدعائية والحزب الوطني شاركوا في الفيلم. مهنتنا بها جانب تكتيكي هناك مخرجون غير مقتنعين بالفكر الموجود داخل العمل ولكن يقدمونه بشكل مهني فقط. هذا وضع موجود في مصر. لو أنت سواق تاكسي وقمت بتوصيل شخص لمكان قام فيه بجريمة قتل هل يتم لومك علي توصيله أو محاسبتك؟. قد يكون من عمل مع حسني مبارك في 2005 غير رأيه بعدها فكيف تحاسبه؟ أظن أن ما حدث هو نوع من أنواع الضرب تحت الحزام في تنافس ما. وهذا ليس دفاعاً عن مروان حامد أو شريف عرفة ولكني ضد قياس الأمور بهذا الشكل. لكن موقف عمرو واكد مختلف بعض الشيء؟. * أظن أن موقف واكد متهافت. هناك تقاليد في السينما أن فيلمك تقف بجانبه حتي لو لم يكن في مستوي إعجابك. ولماذا تقول هذا داخل مهرجان "كان". لماذا لا نفرض أن وجهة نظرهم تري أن ذلك الفيلم هو الأعظم في العالم. لدينا مشاكل كثيرة في السينما فلماذا نبحث فقط في التفاصيل التائهة. أنا لم أشاهد الفيلم ولست معه أو ضده. ولكن ضد من لا يهاجم الفيلم لأسباب حقيقية.