بعد فشل ما سمي ب "الحوار الوطني" الذي عقد قبل أكثر من أسبوع .. وعدم توصله إلي نتائج محددة.. قرر المجلس الأعلي للقوات المسلحة الدعوة لاجراء حوار مع الشباب من ممثلي الحركات والتنظيمات التي شاركت في الثورة. حينما بدأ هذا الحوار مساء الأربعاء الماضي.. بحيث يمثل كل فصيل من فصائل الثورة عشرة أشخاص. وكلنا نعلم السبب.. أو الأسباب التي أدت إلي فشل "الحوار الوطني" وكان في مقدمتها أن الكبار أقصد كبار السن مازالوا ينظرون إلي الشباب علي أنهم "عيال".. وأرادوا أي الكبار أن يفرضوا وجهات نظرهم علي الحضور. دون أن يستمعوا لآراء الشباب أو رؤاهم.. وكأن "الكبار" هم الذين بيدهم وحدهم مفاتيح الحكمة والفلسفة والرؤية السديدة.. مع أن قيام الثورة في حد ذاته ينسف هذه الفرضية. باعتبار أن هؤلاء "الكبار قد فشلوا فشلاً ذريعاً في إدارة شئون البلاد حتي آلت الأمور إلي ما وصلت إليه! ومن بين أسباب فشل الحوار الوطني.. هو حضور أو دعوة رموز الحزب الوطني للمشاركة فيه.. وما ينطبق علي الفرضية السابقة يصلح أيضاً للتطبيق علي حضور رموز الحزب الوطني.. إذ أن البلاد غرقت في الفساد وتدهورت أحوالها إلي الحضيض تحت حكم الحزب. وعلي نحو غير مسبوق في التاريخ الحديث! كذلك.. كان من أسباب الفشل الذريع الذي مني به الحوار الوطني.. عدم التطرق إلي المرحلة الانتقالية التي نعيشها حالياً.. والقفز عليها للحديث عما بعدها.. والحقيقة أنه ما لم نحدد الأرضية التي نقف عليها حالياً. فلن نعرف المكان الذي نستعد للقفز إليه.. وما إذا كان في مستوي الأرضية التي نقف عليها أم أعلي أم أدني.. وكيف ننطلق إلي المستقبل بخطي واثقة مطمئنة.. خصوصاً بعد أن جربنا الحديث كثيراً عن المستقبل دون النظر إلي الواقع.. وتجرعنا الكثير من الوعود التي كانت أشبه بالدواء الكاذب الذي يوهم المريض بالعلاج ولا يحد من مسببات المرض وآثاره! وإذا كنا نعيب علي بعض الاجراءات المتعلقة بعقد المؤتمرات والحوارات.. وحضور هذا وانسحاب ذاك.. فلا شك أن الثورة المصرية وإن كانت في مجملها إيجابية لها سلبيات. لعل أبرزها أنها بلا قيادة وعدم وجود قيادة محددة للثورة هو سلاح ذو حدين. فهو من جانب لا يعطي لأحد حق التحدث باسم الثوار.. ولكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام كل من هب ودب لكي يدعي لنفسه أنه من الثوار وأن يرتدي قميصهم.. وأصبحت الحركات التي تدعي انتماءها للثورة لا تعد ولا تحصي. مما أثار الانقسامات والصراعات بين الفصائل المختلفة. إذ يبدو أن بعض قوي الثورة المضادة أصبحت ترفع شعارات الثورة بينما تعمل علي تقويضها وتعريفها من المضمون! من هنا.. عندما دعا المجلس العسكري لاجراء حوار يجمع كل الحركات الثورية. بحيث يمثل كل فصيل عشرة أشخاص.. ثارت بعض الحركات رافضة هذا العدد الكبير ومطالبة بأن يمثل كل فصيل شخص واحد حتي لا تتحول الاجتماعات إلي "مكلمة" تتوه فيها الأفكار وتتشتت فيها الأصوات وتنفض دون التوصل إلي نتائج محددة! أمام ذلك.. أعلن المجلس الأعلي للقوات المسلحة.. عقد عدة لقاءات أخري خلال هذا الأسبوع لإتاحة الفرصة أمام الجميع وتوسيع دائرة الحوار. ربما بهدف التوصل إلي أكبر قدر من التوافق ومعرفة الاتجاه العام الذي تلتقي عنده كافة التيارات والفصائل فيما يتعلق بمسار وإدارة المرحلة الانتقالية. وصولاً إلي النظام السياسي الذي ترتضيه الأغلبية والذي يحدد النهج الدائم لإدارة شئون البلاد. علي أية حال... فإن إدارة المجلس العسكري للبلاد مازالت حتي الآن تحظي بالرضا والقبول العام.. وإذا كانت هناك أصوات تنادي بضرورة تشكيل مجلس رئاسي مدني يضم أحد العسكريين لإدارة الفترة الانتقالية.. وأن يكون وضع الدستور قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية أو العكس.. فلا بأس في ذلك. إذ أنه يعكس حالة صحية بدأت تدب في أوصال المجتمع والحياة السياسية.. ويمثل بداية للديمقراطية الحقيقية التي تضمن التعبير عن الرأي والرأي الآخر. دون أن يفسد ذلك للود قضية.. ودون أن يكون في ذلك تجاوز للتابوهات والمحرمات التي كانت سائدة من قبل.