الفنان عمرو واكد في مهرجان كان السينمائي رفض أن يقف علي البساط الأحمر مع الفنانين المصريين لأن بعضهم سبق له أن شارك في مظاهرة تأييد للرئيس السابق حسني مبارك.. واعتبر أن هؤلاء ضمن القائمة السوداء للفنانين. والفنان حسين فهمي انتقد موقفه وذكره بوقوف الفنانين المصريين معه عندما تعرض واكد من قبل لحملة اتهامات بأنه شارك في أعمال فنية مع إسرائيليين..! وما فعله الفنان عمرو واكد هو تعبير عن ما يدور الآن من انقسامات بين من يعتبرون أنفسهم حماة الثورة وأولادها وإنتاج ميدان التحرير وبين الذين سبق أن كانت لهم مواقع أو أعمال أو مواقف في العهد السابق. وهو انقسام لم يعد قائما بين الحرس الجديد والحرس القديم وإنما امتد إلي صفوف الثوار أنفسهم حيث تدور حاليا حرب علي الفيس بوك بين مجموعات الثوار وصلت إلي حد توجيه اتهامات إلي بعض الائتلافات "بالخيانة" وبأنهم باعوا دماء الشهداء مقابل بعض المناصب المستقبلية ولم يصمدوا أمام الإغراءات والإغواءات التي تساعد علي إجهاض الثورة. والواقع أن اتهامات الخيانة هي سمة أي مرحلة بعد الثورة حيث يظل البعض علي تشددهم في موافقهم وينظرون لكل من يقبل بالتسويات والتهدئة أو الحوار علي أنه خائن للقضية.. ويصل الأمر بالطبع إلي تخوين كل من لم يكن واقفا في صفوف الثوار أو تردد في إعلان تأييده لهم..! وهذه الاتهامات هي ما يمكن أن يهدم طهارة ونبل أي ثورة لأنها تفتح الباب أمام تصفية حسابات قديمة باسم الثورة ولأنها تجبر بعض أصحاب الخبرات والمكانة والاحترام علي أن يتراجعوا للوراء وأن يبتعدوا تماما عن المسرح السياسي خوفا من التشهير والتنكيل بهم باسم حماية الثورة أو التجديد والتخلص من الوجوه القديمة. وفي هذا السياق فإنني من المعارضين بشدة لوجود لجان لحماية مكتسبات الثورة في أي مؤسسة أو مصلحة حكومية أو شركة عامة أو خاصة لأن مثل هذه اللجان قد تكون بديلا بشكل آخر لأمن الدول حيث ستكون سيفا مسلطا علي رقاب العاملين وتمنح أعضاء هذه اللجان سلطات هائلة تتحول تدريجيا لقوة ضغط وأداة إرهاب وتحقيق مصالح شخصية وفئوية. فالقيمة الحقيقية للثورة هي أنها ثورة الشعب كله التي استطاعت الحصول علي تأييد ودعم مختلف طوائفه وفئاته. ويجب أن تكون الثقة هي ما يدفع كل هؤلاء إلي حماية الثورة ومكتسباتها بدلا من أن يتحولوا إلي أعداء صامتين للثورة ينتظرون أو يتمنون نهايتها ويشجعون ويساهمون في إحداث انقسام بين قادتها. والثورة في هذا يجب أن تتعلم من أخطاء الماضي ومن سلبيات الثورات السابقة. فقد جاءت ثورة 23 يوليو 1952 بكل المعاني النبيلة في التحرر الوطني والعدالة والمساواة.. والتفت حولها مصر كلها لأنها كانت تحت شعار "ارفع رأسك يا أخي".. ولكن ثورة يوليو استعانت بأهل الثقة علي حساب أهل الخبرة والمعرفة فضلت الطريق وراحت تبني قصورا في الرمال بلا قواعد أو قوائم خرسانية ومع أول مواجهة حقيقية للثورة مع أعدائها في يونيو 1967 انهار البنيان كله واكتشفنا أننا كنا نعيش نوعا من الأحلام ونمضي وراء السراب ولم نفق ولم ننطلق نحو إعادة البناء إلا عندما نظرنا إلي أنفسنا وأعدنا اكتشافها علي أسس جديدة أساسها توظيف الإمكانيات المتاحة بطريقة سليمة والاستعانة بجهود جميع أبناء الوطن من أجل معركة الكرامة والتحرير التي لم تتحقق إلا في أكتوبر .1973 واليوم فإن علينا ألا نعيد أخطاء الماضي بأن نصنف المجتمع علي أن هذا من أعداء الثورة وهذا من ثوار ميدان التحرير فكلنا ثوار التغيير وبناء مصر الحديثة وكل واحد فينا أدي دوره في التمهيد للثورة فعلنا ذلك عندما رفضنا الركوع لأحد وعندما نادينا بالإصلاح والتغيير. وعندما رفضنا النفاق والتزلف. وحين احتفظنا بكرامة وعزة أنفسنا. وحين كنا نصمم علي أن التغيير قادم من الداخل لأن إصلاح هذا البلد لن يكون إلا بأيدي أبنائها وأفكارهم وغيرتهم علي الوطن. والوطن اليوم في حاجة إلي الجميع. حتي إلي الذين اختلفوا ويختلفون مع الثورة. لأن هذا الوطن ملك لنا جميعا. والخلاف في التصور وفي الرؤي هو الذي ينجم عنه المنافسة في سبيل النجاح وفي إشعال الحماس الوطني من أجل الصالح العام وهذا الاختلاف في النظرة لقضايا المجتمع هو الذي سيمنح الانفراد بالرأي وهو الذي سيجعل باب الاجتهاد قائما ويدفع إلي المزيد من الأفكار البناءة الإيجابية. إن تخوين كل منا الآخر لن يؤدي إلا إلي تكوين الميليشيات والجماعات التي ستتفرغ للهدم والتشهير وندفع جميعا الثمن.. والثمن معروف وقد بدأنا المعاناة بالفعل الآن..! * ملحوظة أخيرة مصطفي بكري وطلعت السادات.. معركة من سمات العهد البائد..!!