في الفصل الأخير من كتابه "تعطيل الديمقراطية: مخططات التحالف الأمريكي المصري" يتناول البروفيسور الأمريكي جاسون براونلي المراحل التي مرت بها العلاقات بين مبارك وإدارة الرئيس باراك أوباما قبل وأثناء اندلاع ثورة 25 يناير .2011 يقول براونلي: قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2008 قام جمال مبارك بالشكوي للسفيرة الأمريكية بالقاهرة مارجريت سكوبي من ان السياسات الأمريكية تجاه مصر والمنطقة بأسرها أضرت بالعلاقات المصرية الأمريكية.. وأعرب عن أمله في أن تراجع الإدارة الأمريكية القادمة سياساتها تجاه مصر.. وبالفعل كان الرئيس باراك أوباما لديه الرغبة في تغيير النهج الذي اتبعه سابقه بوش.. ولم يوجه أوباما أو وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون أي نوع من اللوم إلي مبارك أو أي من حلفاء أمريكا من القادة العرب. ومع مطلع 2009 شهدت العلاقات بين البلدين خلافات حول حجم المعونات الأمريكية وكيفية استخدامها والتمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني.. وفي الوقت ذاته ظهرت جماعات شبابية معارضة أكثر جرأة من السياسيين التقليديين في مصر.. ونظمت حركتا "كفاية" و"6 ابريل" عدة مظاهرات احتجاجا علي تصدير الغاز لإسرائيل بأقل من الأسعار العالمية وتأييدا للمطالب العمالية.. ثم وقعت حادثة مقتل الشاب خالد سعيد وكانت هذه الجريمة بمثابة قوة دفع هائلة لقوي الاحتجاج في مصر.. وكانت عودة محمد البرادعي إلي مصر قوة دفع ثانية لقوي المعارضة حيث اعتبره كثيرون منافساً قوياً لجمال مبارك في الانتخابات الرئاسية المقررة عام ..2011 ثم كان الانفجار الكبير في كنيسة القديسين بالاسكندرية مع الساعات الأولي لعام 2011 دافعاً للمسيحيين في مصر إلي إلقاء اللوم علي نظام مبارك الذي يهتم بأمن الرئيس وأسرته ويتجاهل أمن المواطنين.. ويستخدم مثل هذه الحوادث لتأجيج الفتنة الطائفية حتي تغطي علي جرائم النظام وفساده. ويوضح جاسون براونلي في كتابه ان الولاياتالمتحدة كانت تشارك النظام المصري ثقته في ان قوي المعارضة تعاني من التشرذم والعجز.. ولا يمكنها أن تقدم علي خطوة تهدد بقاء هذا النظام الراسخ.. وفي هذا الصدد يستشهد المؤلف ببرقية للسفارة الأمريكية بالقاهرة تؤكد ان أي تغيير عنيف في مصر أمر بعيد الاحتمال رغم حالة الغليان المكبوت بعد تزوير الانتخابات المحلية والبرلمانية وتفشي الفساد وارتفاع الأسعار.. فقد قام مبارك بشكل ممنهج وقانوني بتصفية جميع رموز المعارضة السياسية واعتقال ما يقرب من 20 ألف شخص بدون محاكمات كل عام. في نهاية الكتاب يشير جاسون براونلي إلي أن أعضاء الكونجرس الأمريكي غضبوا كثيرا من أداء المخابرات الأمريكية أثناء الثورة المصرية وصاروا أكثر وضوحا وتأكيداً علي ضرورة ربط المساعدات الأمريكية بالدعم اللا محدود لإسرائيل من خلال ضمان تفوقها العسكري علي جيرانها.. وبما ان الثورة المصرية فتحت الطريق أمام وصول أشخاص قد يأتون بالإرادة الشعبية وغير موالين للولايات المتحدة إلي سدة الحكم. لذا أوصت لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس بضرورة ربط المساعدات الأمريكية المقدمة لمصر بالعلاقات المصرية الإسرائيلية.. دون أي اعتبار للرأي العام في مصر. هذا هو الوضع الذي كان عليه حكم مبارك مع أمريكا.. وهذا هو الوضع الذي تركه لمن سيأتي من بعده.. فهل أدركنا الآن ان ما زعمه فريد الديب المحامي في مرافعته عن مؤامرة أمريكية ضد مبارك ليس صحيحاً ولا يمكن أن يكون صحيحاً.. فمبارك كان دائما هو الكنز الاستراتيجي لأمريكا.