بعد طول غياب طلت علينا فرقة أوبرا القاهرة بإحدي روائع التراث العالمي من خلال فريق عمل مصري وبعرض جيد جعلنا نشعر بالفخر ولكن يبدو أن المسئولين من دار الأوبرا لم يشعروا بقيمة ما يملكون فأغفلوا الدعاية والتسويق والنتيجة أن كثيرا من عشاق الموسيقي حرموا من الاستمتاع بهذا العرض الجميل الذي لم يحظ بالجمهور الذي يستحقه. "العرض كان أوبرا الحفل التنكري" التي تعد واحداً من أشهر اعمال الموسيقار الإيطالي العالمي جوزيبي فيردي "1813 1901" وقد قدمها لأول مرة علي مسرح أبوللو بروما عام 1859 وهي مأخوذة عن قصة بعنوان "جوستاف الثالث" من تأليف يوجين سكريت وكتب النص الأوبرالي "انطونيو سوما" وهي قصة تاريخية تدور أحداثها حول اغتيال ملك السويد جوستاف الثالث في حفل تنكري راقص بقصره. والعمل من ريبرتوار فرقتنا المصرية وسبق تقديمه من قبل عدة مرات. تتكون الأوبرا من 3 فصول وتدور أحداثها في بوسطن في نهاية القرن السابع عشر عن حاكم المدينة الشاب ريكاردو الذي يقع في حب اميليا زوجة صديقه "ريناتو" وهي تبادله الحب وهذا يسبب لهما الشقاء وتلجأ للساحرة "اولريكا" لتشفيها من هذا الحب ويذهب الحاكم الي منزل الساحرة في فضول وذلك بعد أن دافع عنها خادمه "أوسكار" وتقرأ طالعه وتنبئه انه سوف يقتل بيد أحد اصدقائه.. ويكتشف رينادو ان هناك من يتآمر علي ريكاردو ويحذره ولكن تتابع الاحداث حين يكتشف رينادو الحب المتبادل بين زوجته والحاكم فيتعاون مع المتآمرين ويقتله في الحفل التنكري. إخراج مصري العرض تم تقديمه علي مدي 4 ليال من خلال طاقمين من المغنين وتم الاستعانة بثلاثة اجانب بالتبادل مع الابطال المصريين. قام بالاخراج د. عبد الله سعد والذي يعد المخرج الأوبرالي الاكاديمي الوحيد في مصر ولقد قدم عرضا متميزا وسعي مع مصمم الديكور المصري محمود حجاج ومصمم الاضاءة ياسر شعلان الي استثمار العديد من المشاهد واعطائها ثراء بصرياً وابهاراً من ابرزها المشهد الثاني في الفصل الأول والذي يدور في كوخ الساحرة وفيه جاءت حركة المغنية وايضا الكورال علي المسرح مع جو التنجيم والسحر التي بعثته الموسيقي والبلورة السحرية التي توسطت الجميع كل هذا جعله من اجمل مشاهد العرض أيضا كان هناك فهم جيد لتفاصيل العمل ولأجمل مشاهده المعروفة عالميا بالاضافة للحركة المسرحية الجيدة للمغنيين والتي نفتقدها في معظم الأوبرات التي يتم إخراجها من غير المتخصصين حتي "الآريات" الفردية كان هناك حرص علي الجانب التعبيري والتمثيلي وهذا لا يغفل الحركة الجماعية والتي يعد سعد من المتفوقين فيها وقد يحكي ذلك واضحا في المشهد الختامي للعرض. هذا العرض كان للباليه فيه نصيب كبير ورغم أنه يعد من عناصر الثراء البشري علي المسرح إلا أن رقصاته لم تأت معبرة وحركاته مكررة ولكن المجموعة التي اختيرت للرقص كانت علي درجة عالية من المهارة. الأزياء التي صممتها "ماريناما تسينكو" وماكياج أحمد فكري ساهما بشكل جيد في المتعة البصرية وجاءت مناسبة للأحداث والشخصيات. الحفل التنكري من الناحية الموسيقية يعد من أجمل اعمال فيردي حيث جمع فيها بين اساليب درامية متعددة امتزجت فيها التراجيديا والكوميديا بشكل متجانس ومتوازن واعتمد في ذلك علي التناقض اللحني وتناول الشخصيات بفكر موسيقي يميل إلي الايجاز والتركيز. العمل قاده المايسترو ناير ناجي والذي شاهدناه كثيرا خلال هذا الموسم!! ورغم إنه يقود العمل لأول مرة فقد حاول قدر استطاعته تقديمه بشكل متكامل يحسب له انه حافظ علي المقاطع الجميلة التي يحفظها الجمهور والشهيرة وقدمها بشكل جيد من أمثلة ذلك المقدمة الموسيقية التي تلخص أحداث الأوبرا والتي تمثلت فيها الألحان المتناقصة "لحن متقطع يظهر المؤامرة علي الحاكم واللحن الناعم الرومانسي يعبر عن قصة حب الحاكم واميليا. كذلك مقدمة الفصل الثاني وبداية الفصل الثالث والمصاحبة الموسيقية لآلة التشيللو في أغنية اميليا"سأموت ولكن لي طلب واحد". وايضا أداء موسيقي الحفلة الراقصة في الفصل الثالث التي تسمع في الحلقة أثناء حوار المغنين والتصاعد التدريجي لنغمات الاوركسترا ولكن ما فاته هنا اننا لم نشعر بنغمة الة "البكبولو" والتي تميز هذه الفقرة بشكل عام العازفون جاء اداؤهم جيدا وربما يعود ذلك إلي أن هذا العمل من رصيدهم الفني وسبق اداؤه عدة مرات. الغناء المغنيون جميعا جاء اداؤهم طيبا ولكن تفوق الطاقم الاجنبي في بعض المقاطع مثل المغني فرانشيسكو باكورين وخاصة في أغنيته الشهيرة بالفصل الأول "لا شيء يعبر عن نشوتي" وايضا الينا راسوفا في ادائها لأغنية "اذا كان هذا العشب الجاف يخلص من حبي" وتفوق الاثنان في غنائهما المشترك في الفصل الثاني والتي يعد من اجمل المشاهد الرومانسية في تاريخ الأوبرا. أما دور الساحرة "أولريكا" والذي تؤديه جولي فيظي وهالة الشابوري لأول مرة فأري انه من اجمل ادوارهما ويمثل اضافة لكل منهما حيث ان هذه الأغنية من اشهر اغنيات "الميتزو سبرانو" وتحتاج لصوت رخيم وأداء متميز وصعب وقد ساعد علي نجاحها صوت الكلارينت الذي مهد لها والموسيقي المصاحبة التي اعطت اجواء السحر والغموض واذا كان الجمال البصري في هذا المشهد واضحا فجاء الأداء الغنائي والموسيقي موازيا له في الجمال. أما باقي ابطال العرض المصريين فقد تعدوا مرحلة التقييم خاصة ان معظمهم سبق اداء هذه الادوار مثل السبرانو ايمان مصطفي التي اصبحت بارعة في التمثيل ايضا ووليد كريم ومصطفي محمد وعبد الوهاب السيد والاثنان جاءت أصواتهما البراقة وخبرتهما في التمثيل لتعطي هذا العرض قيمة مسرحية ايضا تفوق رامز لباد وعماد عادل والهامي امين وابراهيم ناجي والوجوه الجديدة التي تبشر بالخير مثل عزت غانم "باص" ورجاء الدين أحمد "تيتور" وانجي محسن التي تفوقت تماما في دور اوسكار وكذلك رشا طلعت. العمل جميل ولكن هناك سؤالا يفرض نفسه متي يأخذ الجيل الجديد فرصته وعلي سبيل المثال في هذا العرض رجاء الدين احمد من طبقة "التينور" التي نفتقدها وصفاته الجسمانية تناسب البطولة وسبق ان شاهدناه في حفلات "الجالا كونسرت" وكان متفوقا لماذا لم يتم تدريبه علي دور البطولة نتمني ان يأخذ هؤلاء فرصتهم ونري جيلا جديدا يعبر عن ثراء هذه الفرقة العظيمة والمظلومة من قبل الدار التي تحمل اسمها.