في بداية عملي الصحفي. عندما كنت أترجم خبراً أو أعد موضوعا وأشعر بأنني صنعت الذي لايصنع. وأمشي مختالا فرحا. كنت أجد من يصدمني ويقول : "أنت فاكر نفسك هيكل؟!". من هنا بدأت أبحث عن هيكل. وأول ما قرأت له كان كتابا بعنوان "الانفجار" عن حرب 67. وتلاه كتابه الأشهر بعنوان "خريف الغضب". في الواقع كنت أشعر وأنا أقرأ كل كلمة في هذه المجلدات أنني أمام كاتب أسطورة. يعرف كل كبيرة وصغيرة. ويعرف كل الخبايا التي لا يعرفها رجل الشارع العادي ولا حتي أي صحفي. وربما لايعرفها كثير من صناع القرار. خاصة في فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. كنت أستعجب جدا. وأقف مبهورا عندما أجده يتحدث عن اجتماع لعبدالناصر مع أحد الزعماء الأفارقة في القاهرة. وفي نفس الوقت يذكر معلومات عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي بقيادة "نيكتا خروشوف". كما يتحدث عن افتتاح "ماو تسي تونج" لأحد المشروعات بالصين في نفس التوقيت أيضا! لكن حيرتي في مثل هذه المواقف لم تكن تدوم طويلا عندما أصل الي نهاية الكتاب وأجده مدعوما بوثائق حصرية باللغتين العربية والانجليزية. منذ 7 سنوات تقريبا. بدأ كثير من كتاب الصحف. خاصة القومية. شن حملة ضد "الأستاذ". وكنت أتعجب من تطاول هؤلاء "التلاميذ" علي قامة كبيرة مثل هيكل. وقبل أيام قليلة. عاد هيكل للكتابة في الأهرام بعد غياب طويل. وسطر في الصفحة الأولي كلمات موجزة عن الأوضاع بعد ثورة يناير. وأعجبني جدا تحليله للموقف خاصة الجملة التي قال فيها : "مجلس وزراء يظهر ولا يدير. وجيش يدير ولا يظهر". ووقتها علقت علي هذا المقال وقلت : عندما يتحدث الأستاذ. فلينصت التلاميذ. ولكن سرعان ما انهار كل ذلك أمامي. وسقطت الأسطورة في لمح البصر. عندما وجدت الأستاذ لا يعرف التفريق بين "المعلومات الموثقة" و"تقارير وكالات الأنباء"!! الآن.. لو عاد بي الزمان 12 عاما. وسألني أحدهم : انت فاكر نفسك هيكل؟! سأرد : لست "هيكل".. ولا أتمني.