تعد عروض "توسكا" التي اختتمت بها فرقة اوبرا القاهرة موسمها من الأحداث الفنية الهامة ليس فقط لقيمتها الفنية في التراث العالمي ولانها درة الرصيد الفني للفرقة ولكن لانه تم تقديمها بأسلوب جيد فيه عناية واحترام للجمهور كانت نتيجتة جودة فنية عالية تحسب للفريق ومتعة سمعية وبصرية عادت علي الجمهور. واوبرا "توسكا" من أعمال المؤلف الموسيقي الايطالي بوتشيني "1858 - 1924" وكتب نصها "ليبرتو " جوزيبي جاكوزا ولويجي إيليكا عن مسرحية للكاتب الفرنسي فيكتوريان ساردو وعرضت لأول مرة علي مسرح كوستانزي بروما في 14 يناير عام 1900 وبالنسبة لفرقتنا المصرية ليست العمل الوحيد الذي قدمته لبوتشيني وإنما سبق أن قدمت له اعماله الشهيرة "لأبوهيم و"مدام بترفلاي" وذلك ضمن رصيدها الكبير من الأوبرات الايطالية.. وتعد توسكا واحدة من أهم واشهر الاوبرات في ريبرتوار الأوبرا العالمي وتتضمن اشهر وأروع االآريات "الأغنيات المنفردة" التي تعد اساسية في رصيد كل من السبرانو والباريتون والتينور.. وتعد من الأوبرات التي قدمها سينمائيا المخرج العالمي زيفاريللي الذي زار مصر في اواخر الثمانينات وعرض في المسرح الكبير بعض افلامه الأوبرالية.. الاتجاه الواقعي وتوسكا تعد خير مثال علي منهج بوتشيني الذي تبناه مع معاصريه لينكافللو "1857 - 1914" وماسكاني "1863 - 1945" والذي عرف بالواقعية الايطالية "الفيرسمو" حيث استقوا موضوعاتهم من الحياة الواقعية في المجتمع بعكس سابقيهم الذين قامت موضوعات اعمالهم علي التاريخ والاساطير وتتكون توسكا من ثلاثة فصول وتدور أحداثها في بدايات القرن التاسع عشر أثناء غزو نابليون لروما عام 1800 وتحكي قصة "توسكا" وحبيبها "كافارادوسي" الذي يخفي صديقه السجين الهارب "انجيلوتي" ورئيس الشرطة سكاريبا الذي يصدر امراً بالقبض علي كافارادوسي وإعدامه بعد أن اكتشف مساعدته للسجين الهارب وتتدخل توسكا لإقناع رئيس الشرطة بالعفو عن حبيبها وتخبره بمكان اختباء انجليوتي فيوقع امراً بالعفو عن كافرادوسي بعدها تقتله توسكا وتسرع لإنقاذ حبيبها وتطلب منه أن يتظاهر بالموت لحظة اعدامه لكنها تكتشف مصرعه بالفعل فتلقي بنفسها من أعلي الحصن.. العمل قدمه نجوم فرقتنا من سوليست وكورال بمصاحبة اوركسترا أوبرا القاهرة وتم الاستعانة بكورال اطفال تنمية المواهب ومن خارج مصر كان هناك المايسترو وتينور من ايطاليا ومن رومانيا سبرانو والأخيران تبادلا الغناء مع النجوم المصريين وقام بإخراج العمل المخرج الاوبرالي المصري عبدالله سعد الذي قدمه بشكل كلاسيكي دقيق ونجح في الحركة المسرحية وتحريك المجموعات خاصة في ختام الفصل الأول الذي جاء ثريا من الناحية البصرية والتشكيلية. متعة موسيقية العمل جاء متعة لعشاق الموسيقي وكان وراء ذلك المايسترو يد كريشنزي الذي استطاع أن يفسر فكر بوتشيني الموسيقي ويحافظ علي كل مميزات هذا العمل بداية من مجموعة التآلفات القوية التي تعزفها النحاسيات ويفتتح بها العمل بديلاً عن الافتتاحية التقليدية والتي نغماتها سوف تظهر طوال العرض مصاحباً لشخصية البارون المستبد سكاريبيا ويعقبها لحن ثوري سريع يعبر عن انجلوتي الهارب كما استطاع المايسترو أن يظهر لنا المشاعر الانسانية المتناقضة التي يمتليء بها العمل من الحب والغيرة والخوف والجرأة والاستبداد والرحمة والأنانية والإيثار والتي تعبر عنها الموسيقي والاصوات البشرية التي امتزجت في نسيج واحد كما نجح المايسترو الإيطالي في بيان جمال الغناء الفردي الذي يتميز بالغنائية والألحان الدرامية العريضة وايضا الغناء الجماعي الداخلي والخارجي والذي أداه ببراعة كورال الأوبرا بقيادة "الدو مانياتو" وكورال الأطفال التي دربتهم الاستاذة القديرة د.نادية عبدالعزيز وحرص علي ايضاح تأثير بوتشيني بفاجنر من حيث الألحان الدالة علي الشخصية التي تؤديها الأوركسترا مثل لحن سكاربيا واللحن الذي تؤديه آلة التشيللو ويصاحب ظهور توسكا علي المسرح كما أنه احيانا يجعل هذه الألحان الدالة تعبر عما يجول في خاطر الشخصية مثل عندما تطلب توسكا من كافاردوسي أن يقابلها في منزله يجيبها متردداً "هذا المساء" وهو يفكر في انجلوتي المختبيء عنده وهنا يعزف الاوركسترا جزءآً من اللحن الدال علي صديقه.. ونجد المايسترو هنا حرص علي التفاصيل التي يبرزها بوتشيني ويتميز بها مثل أصوات أجراس الكنيسة وألحان صلاة الشكر والاستخدام البارع لآلة الكلارينت التي جعلها تعبر عن البطل ومآساته. الأدوار الغنائية العمل كعادة الفرقة المصرية تم تقديمه من خلال طاقمين تبادلا الادوار الرئيسية فقامت السبرانو ايمان مصطفي بدور توسكا والذي يعد من الأدوار الصعبة التي تحتاج لصوت درامي ثقيل أجادته إيمان وفهمت تفاصيل الشخصية من الناحية التمثيلية والغنائية كما أنه من رصيدها الفني الذي سبق أن لعبته عدة مرات وأري أنه من أهم أدوارها.. وقد وفقت الفرقة في اختيارها للسبرانو الزائرة "كارمن جوربان" التي أدت دورها بشكل ممتاز وكان لديها إلي حد ما قدرة علي اظهار الجانب الدرامي والغنائي في صوتها.. وقد استمتع الجمهور بأدائهما للآرية الشهيرة "عشت للفن عشبت للحب".. أما أبطال العمل المصريون التينور المجتهد وليد كريم وكل من الباص رضا الوكيل وعبدالوهاب السيد والباريتون مصطفي محمد سبق لهم جميعاً أن قاموا بهذه الأدوار في العروض السابقة ولكن هنا عنصر الخبرة اتضح فكان الجميع اكثر نضجاً وجمالاً وفهماً للشخصيات أما الباريتون عماد عادل والذي لم يسبق أن شاهدته في هذا العمل كان رائعاً في التمثيل وفي الغناء وخاصة عندما شدا بآرية "ارحلي يا توسكا" في الفصل الثالث اما التينور الايطالي الزائر "ليوناردو جرامنا" ايضا وفقت الفرقة في اختياره حيث كان اضافة جيدة وامتاز بحلاوة في الصوت ونجح في أداء المواقف الرومانسية واستمتعنا بأدائة لآرية التينور الشهيرة في الفصل الثالث "عندما كانت النجوم تتلالأ".. باقي الطاقم الهامي أمين وعزت غانم وإبراهيم ناجي ورامز لباد وبهاء أيوب وإنجي محسن الجميع أدوا أدوارهم بشكل جيد في التمثيل والغناء. العرض نموذج جيد لاحتراف فرقتنا ولاجتهاد وموهبة ابنائنا من الفنانين والفنيين حيث جاء ديكور الغرباوي مناسباً وإضاءة ياسر شعلان متميزة للحدث وللشخصيات وبشكل عام توسكا خير ختام لموسم فرقتنا القومية وخير دليل علي أننا قادرون علي تقديم عمل احترافي من التراث العالمي ونتمني في الموسم الجديد المزيد من الاعمال العالمية والعمل علي تقديم اوبرا مصرية خالصة.