الصحة في مصر لا تحتاج إلي وزير يسير الأعمال فقط بل تحتاج إلي وزير مبدع يحدد المشاكل الصحية التي يعاني منها المواطن الغلبان ويفكر في كيفية القضاء علي المعوقات التي تواجه المرضي غير القادرين في المستشفيات العامة والخاصة. المريض المصري يواجه الآن إهمالاً جسيماً في المستشفيات العامة والكل علي يقين أن مستشفيات وزارة الصحة لم تعد قادرة علي تلبية احتياجات المواطن بسبب عدم وجود إدارة ناجحة في معظم المستشفيات بالإضافة إلي نقص الامكانيات والتجهيزات والكوادر الطبية. علي سبيل المثال هناك مئات المرضي يحصلون علي قرارات العلاج علي نفقة الدولة لإجراء جراحات أو صرف علاج لكن هذه القرارات مجرد حبر علي ورق وصدق المثل الشعبي القائل المريض غير القادر يدفع "دم قلبه" حتي يتم إجراء الجراحة له ويقوم بعمل التحاليل الطبية والأشعة اللازمة له علي حسابه الخاص بالإضافة إلي أن حسابات المستشفي تلزم المريض بدفع مبالغ أخري فوق القرار وبعض الأطباء يدخلون في مفاوضات مع المريض لدفع أجرة العملية أو الجراحة للطبيب الذي يوهم المريض أن وزارة الصحة لم تدفع له شيئاً. في هذه اللحظة المريض غير القادر مغلوب علي أمره لأنه يريد هذا الطبيب أن يجري له الجراحة نظراً لمهارته أو سمعته العلمية خارج المستشفي ولن يتم إجراء الجراحة للمريض إلا بعد الاتفاق مع الطبيب علي المقابل المادي وهذا ما يحدث بالفعل في مستشفيات وزارة الصحة وقرارات العلاج مجرد ديكور فقط. كما أن المريض ينتظر دوره في الحجز ويظل يتردد علي المستشفي أكثر من شهر أو شهرين دون أي فائدة وفي هذه الفترة يلجأ إلي البحث عن وسيلة حتي يحصل علي علاجه أو يجري الجراحة اللازمة له. ناهيك عن مرضي الطوارئ الذين لا يجدون ضالتهم في المستشفيات الحكومية فالرعاية المركزة أصبحت من الممنوعات في مستشفيات الوزارة وغرفة الطوارئ بالوزارة غير قادرة علي تلبية احتياجات الطوارئ مما جعل أصحاب حالات الحوادث والأمراض الطارئة مثل الجلطات وغيرها يتعرضون للموت علي أبواب المستشفيات العامة بحثاً عن رعاية مركزة أو جراحة عاجلة لكن قد يدركهم الموت قبل دخول المستشفي أو يموتون بعد دخولهم بسبب التلوث الذي يتعرضون له في العناية المركزة. بالفعل الإهمال يدب في كل مستشفيات وزارة الصحة ومن أجل هذا بدأت المستشفيات الخاصة في المغالاة في أسعارها لأنها تعلم جيداً أن خدمات الطوارئ في وزارة الصحة غير متوفرة ويتم استغلال المريض غير القادر بطريقة بشعة لدرجة أن بعض المرضي باعوا منقولاتهم للصرف علي علاجهم في المستشفيات الخاصة ومنهم من تطارده المستشفيات الخاصة بالسجن لعدم دفعه فاتورة العلاج وتهدده بالإقرار المكتوب عليه.. وبذلك أصبح المرضي بين سندان المستشفيات الحكومية ومطرقة المستشفيات الخاصة. وزارة الصحة رغم أنها تعلم بذلك وما يحدث داخل المستشفيات الخاصة ولم تستطع أن تغير من الوضع شيئاً بل تركت المرضي فريسة للمستشفيات الخاصة فقد كانت هناك لجنة من وزارة الصحة ونقابة الأطباء مهمتها تحديد أسعار الجراحات والرعاية المركزة بالمستشفيات الخاصة لكن هذه اللجنة توقفت فجأة ولم تستطع أن تستكمل مشروعها من أجل حماية المرضي من سطو هذه المستشفيات. الغريب أن الوزير الحالي لم يستطع فتح الملفات الشائكة التي هي صلب العمل في وزارة الصحة واكتفي بتسيير الأعمال لأنه لا يستطيع أن يواجه الهجمة الشرسة من أصحاب المستشفيات الخاصة. وفي عام 2009 أصدر د. حاتم الجبلي وزير الصحة الأسبق قراراً وزارياً بإلزام المستشفيات الخاصة باستقبال وعلاج حالات الطوارئ لمدة 24 ساعة فقط بالمجان وبعدها يتم تحويل المريض إلي مستشفي عام لاستكمال العلاج. هذا القرار لم يتم تفعيله أو العمل به في المستشفيات الخاصة التي تحولت في الوقت الحالي إلي غول يأكل المرضي ويمتص دماءهم في ظل نقص الخدمات الطبية في مستشفيات وزارة الصحة. معظم الأطباء والممرضين الذين يعملون في مستشفيات الحكومة متعاقدون مع المستشفيات الخاصة ويقدمون لهذه المستشفيات كل الجهد ويتخاذلون في عملهم الأساسي بوزارة الصحة إذاً ما ذنب المريض ومتي نجد الوزير الذي يأخذ بيد الغلابة وتكون له السلطات العليا علي المستشفي العام والخاص لكن إذا كان الوزير لا يستطيع إصلاح البيت من الداخل فماذا يفعل في الخارج؟