لم تكن نكبة واحدة تلك التي ابتلينا بها في 15 مايو ..1948 فمنذ أن تم غرس اسرائيل شوكة في خاصرة أمتنا قبل هذا التاريخ وبعده ونحن نعيش في نكبات متتالية في كل المجالات.. وصدقت نبوءة كل الذين قالوا إن أمتنا ستعيش في ضنك متواصل طالما بقيت اسرائيل بيننا.. وستقوم من حفرة لتقع في حفرة أخري أكثر عمقا.. أما الذين راهنوا علي السلام الإسرائيلي الأمريكي.. أو السلام خطوة خطوة فقد خسروا في رهانهم.. وخسرت أوطانهم علي المستوي الاستراتيجي. وإذا كانت النكبة قد بدأت كما نعلم بوعد بلفور وزير خارجية بريطانيا عام 1917 لاقامة وطن قومي لليهود في فلسطين فإن مسلسل النكبات لم ينته حتي اليوم.. مذابح مدن فلسطين وقراها.. طرد الشعب الفلسطيني من أرضه ودياره لتشريده في قارات العالم.. العدوان الثلاثي علي مصر.. نكبة النكسة.. غزو لبنان.. حرائق المسجد الأقصي.. العدوان المتكرر علي غزة. ومما يؤسف له أن وطننا العربي تحول إلي ساحة مفتوحة للعبة الأمم ومؤامراتها من أجل اسرائيل.. الحرب العراقية الايرانية كانت من أجل اسرائيل.. وغزو العراق كان من أجل اسرائيل.. وضرب تونس وحرب خليج سرت وتقسيم السودان واثارة الفتن في مصر.. كلها وغيرها كثير كانت من أجل اسرائيل. ومن أجل اسرائيل تبنت الدول العظمي أمريكا وأوروبا تحديدا استراتيجية ظالمة تقول ان اسرائيل يجب أن تكون أقوي من مجموع الدول العربية مجتمعة.. ونحن نعلم هذه الاستراتيجية ونستسلم لها في صمت.. لم نعترض عليها ولم نناقشها.. رغم العلاقات الوثيقة جدا والحميمة جدا بين بعض أنظمتنا العربية وأوروبا وأمريكا. الأكثر من هذا أن الدول العظمي نجحت نجاحا باهرا في أن تغرس فينا عوامل الضعف والتفكك والتخلف.. وتخلق لدينا القابلية للاستعمار علي حد تعبير المفكر الجزائري الكبير مالك بن نبي. بريطانيا هي التي ساعدتنا عام 1945 علي انشاء جامعة الدول العربية.. وبريطانيا ذاتها هي التي ساعدت العصابات الصهيونية علي أن تحكم قبضتها علي أرض فلسطين وتطرد شعبها.. وتلاعبت بالقيادات العربية لتمكين اليهود من كل فلسطين. وما كادت شمس الامبراطورية البريطانية تغرب في منتصف القرن الماضي حتي دخلت القوة العالمية الجديدة "أمريكا" لتساند اسرائيل عسكريا واقتصاديا وسياسيا.. وأيضا لتتلاعب بالقيادات العربية حتي تبعد أنظارهم عن قضية أمتهم الأولي. ونجحت الجهود الأمريكية الدءوبة في أن تفكك الوعي العربي وتزيفه.. حتي صارت كل دولة تري أن خلاصها يبدأ بالتخلي عن قضية فلسطين.. والبعد عن تعقيداتها. تحت زعم الواقعية واعطاء الأولوية للوطن.. كما لو كان هناك تناقض وتعارض بين الاهتمام بالوطن والاهتمام بقضية تحرير فلسطين. وعندما ننظر الآن إلي حصاد السياسات الوطنية العربية علي مدي الستين عاما الماضية نجد أنه حصاد الهشيم.. ويجب أن نواجه أنفسنا بالحقيقة المؤلمة.. فلا نحن حررنا الأرض السليبة حين جيشنا الجيوش.. ولا نحن عمرنا ارضنا وطورنا حياتنا وانتقلنا من الفقر إلي الثراء ومن الجهل إلي العلم حين انطوينا علي أنفسنا وقبلنا بسلام الخطوة خطوة. غنينا كثيرا للمجد وما نلناه.. وغنينا كثيرا للاستقلال وما استقلت ارادتنا.. وغنينا للحرية والكرامة الوطنية والشعبية ومازلنا نكافح ونتظاهر ونعتصم في الميادين حتي نحصل عليهما من الذين استذلونا واستضعفونا.. بينما كانوا يركعون أمام شركائهم وأحبائهم في واشنطن وتل أبيب. ثورات الشعوب العربية حاليا هي التي أيقظتنا من الغفلة.. وفتحت عيوننا علي الحقيقة.. وكشفت لنا الحكام المتواطئين والمتخاذلين.. الذين خانوا الأمانة.. وكانوا سببا في تعميق جراحنا وسببا فيما اصابنا من نكبات ونكسات وهزائم. قالت لنا ثورات الشعوب: لا تصدقوا العنتريات التي زعمها الفراعنة والمماليك الجدد.. فقد كانت أقصي أمانيهم بأن ترضي عنهم أمريكا واسرائيل وتعطيهم صك البراءة من التعصب لأوطانهم والانحياز لشعوبهم. وقد رضيت عنهم أمريكا واسرائيل.. ولكن شعوبهم لم ولن ترضي عنهم.. وستظل تمقتهم إلي آخر الزمان.