في كل مرة حين كنت أذهب إلي قريتي مشتهر بمحافظة القليوبية وألتقي بشبابها كان الحديث يدور عادة حول رصف الطريق ومياه الشرب وانقطاع الكهرباء وطلبات التوظيف وما شابه ذلك.. الآن تغير الموقف بعد الثورة.. فقد دار الحديث حول العلمانية والليبرالية والدولة المدنية واستخدام الدين في السياسة والفتنة الطائفية وغير ذلك من الهموم العامة التي ينوء بها كاهل الوطن هذه الأيام. عقد اللقاء في مركز الشباب بدعوة كريمة من الصديق القاص محمود أبوعيشة وشارك فيه مجموعة من المثقفين والمبدعين والمهمومين بالشأن العام وشباب الثورة الذين شاركوا في ميدان التحرير وفي مقدمتهم: أسامة أبوحليمة وعبدالفتاح مشعل ود.عادل العطار ومحمود الزهيري ود.فارس الخياط وسمير عبدالباقي وعواض النجار وسليمان الزهيري ورشدي روفائيل وسامي فؤاد وعصام عيد وعبدالحميد معروف وعبدالرحمن النجار. كانوا حريصين علي أن يسمعوا مني لكنني كنت الاحرص علي أن اسمع منهم.. وان انقل آراءهم وأفكارهم.. فهم وأمثالهم النبض الحقيقي لهذا الوطن.. ومنهم يبدأ الوعي العام الذي يحرك السفينة لتبحر في أمان إلي الاتجاه الصحيح.. وأرجو من الحكومة والمجلس الأعلي للقوات المسلحة أن تستمع لصوت هؤلاء وغيرهم من المثقفين الميدانيين والقيادات المحلية لأنهم نبض الشارع الحقيقي بكل ما يحمل من آمال وآلام وطموحات وتخوفات. وسوف أحاول أن أقدم في هذه المساحة المحدودة بعضا مما قيل وأثير وطرح من تساؤلات علي مدي ثلاث ساعات. كانت البداية بالعلمانية التي تستخدم كثيرا في النقاش السياسي هذه الأيام.. البعض يقدمها علي أنها الحل السحري لمشاكلنا والبعض الآخر يستخدمها كفزاعة ضد الإسلام والمسلمين.. أنصار العلمانية ينسبون إليها كل انجاز في الغرب والمعارضون ينسبون اليها كل شرور الغرب وإخفاقاته.. وبالذات فيما يتعلق بالآداب العامة وانهيار النظام الاجتماعي. كل فريق يفهم العلمانية علي طريقته.. ويعطيها التعريف الذي يناسب هواه.. لكن الحقيقة في النهاية أن العلمانية نتاج غربي لحماً ودماً.. وقد ظهرت لأسباب تتعلق بالحياة السياسية والدينية الغربية.. وكان المجتمع الأوروبي في حاجة إليها لكسر سيطرة الكنيسة.. والسؤال: هل نحن في حاجة إلي العلمانية بالمفهوم الأوروبي أم أننا في حاجة إلي طرح آخر يؤكد علي الدولة المدنية التي يحكمها الدستور والقانون وتقوم علي فكرة المواطنة وفي الوقت ذاته تحافظ علي ثوابت الدين ومباديء الشريعة وتعطي لإخواننا المسيحيين الحق في الحفاظ علي ثوابت دينهم وشريعتهم؟! المشكلة في رأي د.فارس الخياط أن حكامنا السابقين نجحوا في أن يحولوا الأزهر إلي "أكيلروس إسلامي" ويحولوا عالم الدين إلي رجل دين ويحولوا الإسلام إلي مجرد طقوس ويستخدموه لصالحهم.. والخوف كل الخوف أن تسير التيارات الدينية التي ظهرت علي الساحة الآن بنفس النهج فتضيع الثورة ومنجزاتها. وجاء الرد علي ذلك بأن هذه التيارات الدينية عملت من قبل تحت الأرض وتبنت العنف وليس من المصلحة الآن أن نستخدمها كفزاعة.. يجب أن تتاح لها الفرصة كاملة لتعمل في النور.. ويتم معالجة أخطائها بالقانون أولا بأول.. وتنخرط في المجتمع خصوصاً أن هناك اتجاهاً في الإعلام حاليا للتخويف من التيار الإسلامي. وبمناسبة الإعلام كان هناك تركيز كبير علي أن التغيير الذي حدث في الصحافة والتليفزيون تم في الشكل وليس في المضمون.. وهناك بعض مرشحي الرئاسة لاتقترب منهم الصحافة القومية.. وفي هذا الصدد أكدت -شخصيا- أن الصحافة القومية تمارس الحرية كاملة الآن في حدود القانون والقواعد العامة.. ولا أحد يمنعها من الاقتراب من هذا المرشح أو ذاك.. ولا من هذه القضية أو تلك. بقيت بعض الأسئلة التي نحن جميعا مطالبون بالإجابة عليها بكل صراحة مثل: * لمصلحة من الاحباطات المتكررة التي تحدث كل يوم في بلدنا دون علاج حاسم؟!.. أين دور الدولة وأين الحكومة وأين النظام العام؟! * لماذا نشعر حتي في ظل الثورة بانعدام القدوة؟!.. ولماذا يرحل عنا أصحاب الخبرات والمتميزون من أبناء الوطن؟! * هل يمكن أن تعود مصر التي نعرفها.. مصر التي تجمع المسلم والمسيحي بلا شك ولا خوف ولافتن ولا صراعات؟! * ماذا قدم الإعلام فيما يتعلق بثقافة قبول الآخر وكيفية التعامل مع الأزمة.. وهل نحن مؤهلون فعلا لاحترام القانون والنظام؟!.. ومتي يعلن أحد المرشحين في برنامجه أنه مستعد لقبول الهزيمة وتهنئة المنافس إذا فاز؟! * هل هناك عفريت يتحرك في الخفاء فعلاً اسمه فلول الحزب الوطني أم أن هذه شماعة نعلق عليها اخطاءنا؟!.. وإذا كان الحزب الوطني بهذه القوة فلماذا لم ينقذ نفسه ونظامه من السقوط؟!.. وهل للدول العربية دور فعلا في قراراتنا؟! لقد رددت علي هذه الأسئلة بما أعرف.. لكنني اعترف بأنها ردودي ليست نهائية ولاتعكس الحقيقة الكاملة واليقين الكامل.. لذلك فالأسئلة مازالت مطروحة علي من يعرف أكثر.. فهل يتفضل بالاجابة؟