من بين مخلوقات الله الإنسان هو الوحيد الذي يذرف الدموع تعبيرا عن الحزن والفرح. هل للبكاء وظيفة بيولوجية؟.. ولماذا اختص الانسان بهذه السمة دون غيره.. هناك أبحاث علمية موثقة تؤكد ان القرود والأفيال والجمال تبكي أي تذرف الدموع لكن البشر وحدهم من يذرفون دموعا عاطفية تعكس مشاعر الفرح والحزن والخوف والتوتر والألم. في الأزمنة الحديثة قدم العلماء النفسيون تفسيرات عديدة للدموع.. فالبكاء قصة قديمة قدم البشرية وللدموع قراءات مختلفة أحيانا تكون بمثابة الراية البيضاء التي يرفعها الباكي أمام عدوان أو اعتداء محتمل. انها اشارة مرئية تعني ان الباكي لا يقوي علي الألم أو تحمل الايذاء. والنظرية التي تحظي بانتشار واسع وقبول أكبر حاليا ان الدموع تحمل اشارة اجتماعية مرئية بمثابة نداء يعكس مشاعر الكرب أو الألم أو الخطر وتنطوي علي دعوة للمساعدة. يقول عالم النفس الهولندي آد فنجرهوتس Advingerhotes الذي كرس اهتمامه في مجال المشاعر ودراسة العواطف الانسانية المفجرة للدموع وأمضي عشرين عاما في دراسة الأسباب والظروف التي تجعل الانسان يبكي ايان مرحلة الطفولة المرحلة التي يكون فيها الانسان ضعيفا للغاية يبكي تعبيرا عن العجز وقلة الحيلة.. وابان طفولة البشرية كان يبكي أمام خطر داهم في مواجهة حيوانات مفترسة. وفنجر هوتس ليس المفكر الوحيد الذي يحدد الأهمية الاجتماعية للدموع منذ فترة طويلة أشار عالم النفس جون بولبي إلي الأهمية الكبيرة لدور البكاء في تقوية الروابط بين الأم وطفلها. في حين ربط دكتور الأعصاب البريطاني مشيل ترمبل بين البكاء كتعبير عن قدرة الانسان علي المشاركة العاطفية أو التقمص العاطفي وميله الطبيعي للبكاء أثناء سماعه قطعة موسيقية موحية ومؤثرة أو أمام عمل فني يفجر مشاعره. وفي كتابه الذي صدر عام 2013 بعنوان "لماذا البشر وحدهم يبكون why only humans weep" قال الدكتور العالم فنجر هوتس ان مثل هذه التفسيرات ليست كافية فبالرغم من ثبوت خاصية البكاء بالنسبة للقرود والأفيال والجمال إلا انه من الواضح ان الانسان وحده هو من يذرف دموعا عاطفية وان البكاء سلوك بشري مستمر من الطفولة حتي البلوغ وان التحدي المطروح وجود تفسير لذلك. والتفسير الذي يطرحه فنجر هوتس يعد جديدا اذ يقول انه بالرغم من ان البكاء في بعض المواقف يمثل مخاطرة إلا انه أقل خطرا بكثير من الصراخ أو اصدار أصوات عالية مثلما كان يحدث في السنوات الأولي من عمر البشرية الحيوانات عندما تكبر وتصاب بالشيخوخة لا يصدر عنها في الأغلب اشارات صوتية لأن في ذلك خطرا أكبر عليها وعلي العكس انتقل الانسان من اصدار أصوات عالية تنطلق في كل اتجاه إلي اشارات مرئية تجسدها الدموع التي تشكل تفاعلا أقرب وأكثر حميمية. ولا يرتبط البكاء فقط باحتياج الانسان إلي المودة والترابط فالدموع يمكن أن تكون تعبيرا عن نزعة أخلاقية تعبر عن رفضنا للظلم وتعاطفنا مع المظلوم ويمكن أن تكون حسب المؤرخ توماس ديكسون مرتبطة بمشاعر البهجة والنشوة أكثر من ارتباطها بالحزن والأسي مثلما يحدث وسط الجماهير أثناء مباريات الكرة أو الألعاب الأوليمبية. ان المشكلة عند تفسير الدموع انها تستعصي علي الوصف بدقة. فالدموع أشياء فكرية. انتاج تفاعل أفكار مع الغدد الدمعية. فلكل زمان نصوصه التي تتوحد وتؤثر في كيانات مختلفة وتنتج دموعا بمعاني مختلفة. ان البكاء ظاهرة مدهشة وخاصية انفرد بها الانسان وانشغل بها العلماء منذ سنوات طويلة وخرجوا بنتائج علمية جديرة بالانتباه. فمنذ زمن سحيق عرف العلماء ان الدموع العاطفية ظاهرة بشرية فريدة أدهشت العلماء من خلفيات مختلفة وتخصصات متنوعة والغريب ان شارلز داروين صاحب نظرية النشوء والتطور ومن أقران الانسان أصله قرد لم يجد في ظاهرة الدموع سمة بيولوجية تحقق وظيفة محددة. الأمر الذي رفضه العلماء الذين وجدوا في الدموع أكثر من وظيفة وأكثر من معني وان في البكاء تنفيسا صحيا عن الكرب وظاهرة صحية وان كبح الدموع ضار والانسان بلا دموع ليس انسانا.