ربما يكون أهم ما تم انجازه في اللقاء التشاوري لقادة مجلس التعاون الخليجي الذي انعقد منذ عدة أيام هو التكليف الصادر من المجلس لوزراء خارجية الدول الست الأعضاء بدعوة وزيري خارجية كل من الأردن والمغرب للتباحث حول الاجراءات اللازمة لانضمام المملكتين لمجلس التعاون الخليجي بناء علي طلب من الأولي واقتراح من المجلس بالنسبة للثانية وهو الأمر الذي سيؤثر تأثيرا مباشرا علي العمل العربي المشترك مستقبلا كما ان دلالات هامة جدا يجب التوقف لديها والتعرف عليها وقبل أن نتعرض لتأثير انضمام المملكتين الأردنية الهاشمية والمغربية للمجلس علي العمل العربي المشترك مستقبليا يجدر بنا بداية التعرض لدلالات هذه الخطوة نظرا لما لها من أهمية بالغة فما أهم هذه الدلالات؟ الدلالة الأولي - فيما نري - هي ان دولة مثل المملكة الأردنية الهاشمية بادرت بطلب الانضمام لمجلس التعاون الخليجي بحثا عن عمق آمن أو شبه آمن من "تسونامي" الثورات العربية الذي بدأ بتونس ثم مصر وامتد حتي الآن لليمن وليبيا وسوريا خاصة ان الأردن يعاني منذ فترة طويلة من المطالبة بالإصلاح الجذري للنظام وقد بلغ سقف هذه المطالبة حد الدعوة إلي الافتعال من الملكية المطلقة إلي الملكية الدستورية وهو ما يعني ان مستقبل الاسرة الحاكمة بات مهددا بارتفاع مستوي هذه المطالبات إلي ما هو أبعد. وتعتبر موافقة قادة المجلس الخليجي علي الطلب الأردني نوعا من الاستجابة لهذه المخاوف والهواجس ليس بالنسبة للأردن فقط ولكن لدول الخليج الست ذاتها وخاصة ان البحرين والسعودية تشهدان بوادر لامتداد تسونامي الثورات العربية إليها ولو بدرجة نسبية وقد يكون انضمام الأردن لها فرصة لخوض المعركة ضد موجات التغيير علي أرض الغير وبواسطته اعمالا للمبدأ العسكري القائل بأن أحسن وسيلة للدفاع هي الهجوم وخاصة إذا كان هذا الهجوم استباقيا وخارج حدود المنطقة المراد الدفاع عنها. ويؤكد هذا المعني المبادرة بدعوة المملكة المغربية للانضمام ايضا للمجلس حيث ان الحال فيها لا يختلف كثيرا عن الحال بالنسبة للأردن فهي أيضا تعاني من مطالبات إصلاحية جذرية ولو بدرجة أقل ومن ثم فربما يكون دعمها الآن من قبل المجلس الخليجي كما هو الأمر بالنسبة للأردن وسيلة لايقاف مد الثورة العربية قبل ان تجتاح بقية الدول علي الخارطة الممتدة من المحيط إلي الخليج. أي ان هذه الخطوة في مجملها تعد وسيلة دفاعية أو هجومية استباقيا هادئا يستهدف انشاء سياجات دفاعية خارجية عن دول الخليج ذاتها وبالأخص إذا كانت الثورة في اليمن علي الحدود الجنوبية لدول المجلس الخليجي تستعصي حتي الآن علي الوأد أو الاحتواء. إذا فالمسألة مجرد محاولة لتقوية دفاعات هذه الدول التقليدية أمام سد الثورات الشعبية التي تطرق أبواب بعضها بينما دخلت فعلا إلي الردهات الخارجية للبعض الآخر وثبت معها ان قوات درع الجزيرة كانت عاملا حاسما في وأد ثورة الشعب البحريني علي سبيل المثال. ولكن المؤكد ان انضمام الأردن والمغرب لمجلس التعاون الخليجي وربما اليمن ايضا بعد استقرار الأوضاع فيها بشكل أو آخر سيؤثر علي العمل العربي المشترك تأثيرا مباشرا حيث يشكل ذلك محورا تقليديا قد يكون له اليد الطولي في العمل العربي خلال السنوات القادمة وخاصة في ظل الظروف التي تلف دولا عربية كبيرة مثل مصر وسوريا والعراق وكل منها يحتاج لفترة ليست قصيرة لاستعادة عافيته وتأثيرها في المحيط العربي والدولي. ويعني ذلك فيما يعني ان الدول التقليدية في العالم العربي تسعي فعلا لأن تكون صناجة الميزان في العمل العربي والاقليم وعلي المستوي الدولي وبالتالي يتوقع ان يكون هذا المحور هو المتحكم بدرجة أو أخري في مجريات الأمور خلال الفترة القادمة سواء داخل جامعة الدول العربية أو علي المستوي الاقليمي والدولي. والمؤكد ان المجتمع الدولي سيدعم هذا التوجه حفاظا علي مصالحه الاستراتيجية المتمثلة في البترول وأمن إسرائيل وخاصة ان هذه المجموعة من الدول تنتهج سياسات شبه متفقة تماما مع استراتيجيات أمريكا وأوروبا تحديدا وكذلك فيما يتعلق بايران بينما سيتريث كثيرا في دعم الدول العربية الأخري حتي يري إذا كانت سياساتها بوصفها الجديد ستتفق مع هذه التوجهات أم سيكون لها شآن آخر. وليس مبالغة إذا ما قلنا اننا مقدمون علي حقبة تاريخية تطول أم تقصر يمكن تسميتها بالزمن الخليجي أو المحور التقليدي. اللهم إلا إذا كان تسوماني الثورات الشعبية أقوي من ان تصده مثل هذه الخطوات التقليدية جدا وهو أمر غير مستبعد لأن القوانين العاملة في الشعوب لا يمكن بسهولة ضبطها أو التنبؤ بها.