لفت نظري ونظر كافة المراقبين والمحللين المتابعين للشأن الفلسطيني أن مصر تحت حكم غير المأسوف عليه حسني مبارك فشلت فشلا ذريعا في انجاز مهمة المصالحة الفلسطينية علي مدار أكثر من ثلاث سنوات بينما استطاعت مصر ما بعد مبارك تحقيق ذلك بعد أقل من ثلاثة أشهر علي سقوط النظام السابق وطغمته الفاسدة حيث تم الاحتفال بتوقيع اتفاق المصالحة بالقاهرة يوم الأربعاء الماضي 4 مايو 2011 وهو ما يؤكد ان المصالحة الفلسطينية كانت ممكنة وأن القائمين علي هذا الأمر في مصر لم يكونوا جادين في سعيهم لرأب الصدع في البيت الفلسطيني وربما كانوا هم السبب في عدم اتمام المصالحة طوال هذه المدة. ما نقوله بخصوص هذه القضية وموقف نظام مبارك منها وارد تماما حيث تأكد من خلال الحقائق التي ظهرت للعيان بعد سقوط هذا الديكتاتور الفاسد انه لم يكن مهتما إلا بجمع الأموال من حرام وتوريث الحكم لنجله جمال مبارك من جانب وانه لم يكن سوي أداة تنفيذية للأجندة الصهيو أمريكية في المنطقة طوال فترة حكمه من جانب آخر.. وبديهي ان استمرار الانقسام الفلسطيني إلي أن تحقق إسرائيل كامل أهدافها في الأرض المحتلة كان بنداً يمثل الهدف والوسيلة بالنسبة للتحالف غير المقدس بين واشنطن وتل أبيب ومن ثم لا يستبعد أن يكون هذا النظام "العميل" قد ساهم بفاعلية في تكريس واستمرار هذا الانقسام خدمة لأمريكا وإسرائيل. ويعزز ذلك الاتجاه في تقييم ما حدث تلك التصريحات الأخيرة التي أدلي بها الرئيس الأثيوبي ميليس زيناوي خلال مقابلاته مع الوفد المصري الشعبي الذي عاد مؤخراً من أديس أبابا علي خلفية قضية مياه النيل حيث أكد فعلا ان عمر سليمان المدير السابق للمخابرات المصرية هو السبب المباشر في الخلاف مع الدول الإفريقية حول موضوع النيل والمعروف ان نفس الرجل كان مشرفا ومباشرا لملف المصالحة الفلسطينية فاذا كان قد فرَّط في واجبه وعكس دوره في موضوع يتعلق بالحياة والموت للشعب المصري ذاته كموضوع مياه النيل فلا غرابة أبداً في أن يكون - ممثلا للنظام - جزءاً أساسيا من مشكلة المصالحة الفلسطينية أو أن يكون هو نفسه المشكلة في المصالحة الفلسطينية. وإذا كان ذلك صحيحا وأظنه كذلك فقد بات واضحا ان القضية الفلسطينية برمتها لم تكن بالنسبة للنظام السابق وأعتقد انها كذلك بالنسبة لكثير من الأنظمة العربية المشابهة سوي ورقة رابحة يلعبون بها كيفما شاءوا لاستمرار حكمهم وخدمة مصالحهم ومصالح أسيادهم في الولاياتالمتحدة وأصدقائهم في إسرائيل. وربما يؤكد ذلك أيضا دور النظام المصري السابق في إحكام الحصار حول الشعب الفلسطيني الشقيق في غزة وما تردد بخصوص دور ما لهذا النظام في حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل علي قطاع غزة منذ سنوات. ويضاف إلي ذلك موقف هذا النظام من الحرب الإسرائيلية - الأمريكية علي لبنان عام 2006 وكذلك موقفه من إيران وسوريا علاوة علي موضوع تصدير الغاز لإسرائيل برخص التراب بينما لا يجده المصريون حتي الآن وكذلك "الطناش" علي موضوع جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل ضد الأسري المصريين في حربي 1967 و.1973 الآن نصدق ما كان يردده بعض القادة الفلسطينيين بخصوص عدم حيادية وعدم جدية النظام السابق في التعامل مع الشأن الفلسطيني بل العربي كله حتي لو كان ذلك يمثل بالنسبة لنا ضروريات أمن قومي وهي جريمة ترقي بالفعل - دون أدني مبالغة - إلي مستوي الخيانة العظمي لمصر قبل أن تكون خيانة لبعض الأشقاء العرب ولابد أن يحاكم عليها مبارك ومساعدوه وأولهم عمر سليمان باعتبارها قضية أمن قومي. المهم أن يكون هذا الإنجاز الذي حققه المجلس العسكري والحكومة خلال هذا الزمن القياسي بداية يمكن البناء عليها علي الجانب الفلسطيني وعلي الجانب المصري أيضا اذ تتعين أن يكون ذلك أساسا متينا لوحدة فلسطينية تستطيع مواجهة كل هذا الاجرام من قبل التحالف الصهيو أمريكي وأن يكون ذلك أيضا أساسا متينا لعودة مصر الحقيقية للعب دورها التاريخي في محيطها العربي والإسلامي والإفريقي والعالمي. ومع أن الاحتفال بهذا الإنجاز قد يكون مناسبا أو حتي مهما ولكن الأنسب والأهم هو أن يعرف الشعب المصري بوضوح الدور غير الأمين الذي لعبه نظام مبارك في هذا الموضوع وغيره فذلك حق لهذا الشعب ويجب ألا ننتظر عشرات أو مئات السنين لنعرف ماذا كان يجري خلف الكواليس في موضوعات خطيرة كهذه من قبل مبارك وحاشيته.. كما يجب ان يحاكموا بتهمة الخيانة العظمي لمصر وشعبها لأن هذه الموضوعات تتعلق جملة وتفصيلا بالأمن القومي المصري قبل أي شيء وبعد أي شيء.