الحفل الذي أقامته مجموعة "أكسنتيوس" بالمسرح المكشوف من المفاجآت التي تقدمها لنا من حين لآخر السفارة النمساوية بالقاهرة من خلال نشاطها الثقافي حيث استمتعنا بفرقة بحثت في الماضي وحاولت اكتشاف التراث واعادت تقديمه بشكل معاصر ولم تكتف بذلك بل اتجهت إلي مؤلفات جديدة تستلهم فيها الكنوز الكامنة في فنون عصور مضت.. الفرقة بدأت في أسبانيا ثم ضمت إليها النمسا لتقتصر علي فنانين من هذين البلدين ولهذا كانت المفاجأة الجميلة ان الجذور الأسبانية التي حاولوا تقديمها لنا اتضح من خلالها تأثر الفن بالوجود العربي في بلاد الاندلس. الفرقة تكونت عام 1992 بهدف تقديم الموسيقي الاسبانية القديمة تحت قيادة العازف "توماس فيمار" وعلي مدار عدة سنوات عمل هذا الفنان مع مجموعة الفنانين علي اثراء الريبرتوار الخاص بها والتي تنفرد به مثل رومانسيات وارتجالات وموسيقات القرن السادس عشر ووصلت حتي أواخر القرن الثامن عشر ثم انضم إليها فنانو النمسا ليتوسع رصيدها الفني في تقديم الموسيقي الخاصة بامبراطورية النمسا حيث تهدف هذه الحقبة لاندماج عدة تيارات خفية مختلفة من ألمانيا وأسبانيا وإيطاليا والمجر والامبراطورية العثمانية وقد نتج عن هذا خليط فني مميز كان بدوره القوة الفنية الدافعة لما بعد الفترة الكلاسيكية. أعضاء الفرقة الفرقة يتحدد اعضاؤها طبقاً لبرنامجها الفني فقد تتراوح ما بين 3 و17 عضواً.. وفي مصر شاهدنا 7 عازفين ومغنياً كل منهم يعد نجماً في حد ذاته وله العديد من الألبومات الخاصة به بالإضافة للمشاركة في حفلات وتسجيلات الفرقة الكثيرة والمتنوعة. البطل في الحفل كانت آلة العود هي البطل المتوج حيث استطاع العازف ذو الاصول الشرقية كريم عثمان حسن أن يجذب انتباه الجماهير بعزفه المتقن والماهر وحرصه علي تقديم ألحان وعزف تقاسيم كلها قريبة للأذن المصرية حيث جاءت مقامات عراقية وتركية أما الفرقة فقد قدمت اغاني ظهر التركيز فيها علي الموسيقي الأسبانية وكان للإيقاع دور بارز وشاهدنا أسلوباً جديداً خاصة في العزف التبادلي بين الدف والرق والطبلة والتي أداها العازفان و"يفيد مايورال" و "نوالفجانج راسيو" بمهارة فائقة أثارت إعجاب الجماهير أيضاً كان هناك مقطوعة فردية للعازفة الهارب "رانهليلد خالديك" جاءت بنغمات شرقية تؤكد تمكنها من الآلة للتراث أما الآلات الوترية المحلية مثل "الفيولا دي جامبا" التي يعزفها مدير الفرقة "فيجار" والعازف "جان اشتمان" ومعهما آلة "البامبو فلدت" وهي قريبة جداً للناي والتي عزف عليها "مايكل بوش" الثلاثة قدموا عرضاً ثلاثياً بمصاحبة ايقاعية كأنك تستمع إلي ألحان المغرب العربي. مطرب الحفل المثير للانتباه أيضاً مطرب الحفل "سيزار كارازو" وهو يمتلك صوتاً من طبقة "التينور" وله شهرة في مجال الغناء الأوبرالي ولكنه غني بأسلوب لحني وبألفاظ تقترب من اللهجة المغربية مع جمال في الصوت وإتقان والتزام بالمدونة التي يقرأ منها اللحن. من وحي التراث الحفل يعد إضافة للساحة الموسيقية المصرية فرغم ان كثيرا من توقعات البرنامج تضمن فقرات يتم تدوالها موسيقيا ولكن التجرية تعد جديدة لأن هذه النغمات جاءت خليطاً بين الموسيقي العثمانية وموسيقي العصور الوسطي الأوروبية وموسيقي عرب الاندلس.. توليفة جديدة لايتمكن من توصيلها إلا مجموعة من العازفين الدارسين والذين أيضاً لديهم اهتمام بالبحث الموسيقي.. وما يستحقون عليه التحية احترامهم للجمهور الذي يتوجهون إليه فمن الواضح أنهم بحثوا ودرسوا طبيعة الشعب المصري والذوق العربي حرصوا علي انضمام آلة العود والتي لانشاهدها في معظم تسجيلاتهم ايضا اختيارهم لأعمال يتضح فيها تأثر أوروبا بالموسيقي العربية وحرصهم علي أداء اعمال تحمل الكثير من الميلوديات الجذابة وأيضاً جعل الغناء عنصراً اساسياً البرنامج وهذا بدون شك كان له دور بارز في إعجاب الجماهير وفوزهم بتصفيق حار.