تابعنا جميعاً مراسم زفاف الأمير ويليام الابن الأكبر لولي عهد بريطانيا إلي عروسه الجميلة كاثلين.. وكان بحق زفاف القرن. تقاليد راسخة. بساطة شديدة. حضور طاغ للعروسين. كسر للبروتوكول العتيد أحياناً بناء علي طلب الجماهير المحتشدة أمام قصر بكنجهام العريق. تعامل ملكي شيك مع الناس المحتفلة بالزفاف.. إلي غير ذلك من الأمور المبهرة. لكن.. كل هذا لايعنيني من قريب أو بعيد.. فكلما يقولون "العروسة للعريس.. والجري....". وأيضا لأن بريطانيا "الدولة" هي بمثابة نقطة سوداء في قلبي.. فلن أنسي لها أبداً مثل ملايين غيري أن كبيرها ريتشارد الملقب بقلب الأسد اغار علي مقدساتنا ونهب ثرواتنا باسم الصليب. ولن أنسي لها أبداً أن جنودها احتلونا 72 عاماً بالتمام والكمال منذ 1882 وحتي 1954 عندما خرج آخر جندي انجليزي من ارض الكنانة. ولن أنسي لها أبداً اشتراكها في العدوان الثلاثي علينا عام .1956 ومع ذلك فانني احترم الشعب الانجليزي واقدر ثقافته. * * * تابعت الزفاف بحكم مهنيتي وطبيعتي البشرية.. وتوقفت أمام ثلاثة أمور رئيسية ومهمة فيه جديرة بالملاحظة والحديث عنها : * الأول : تبرع العروسين بكل الهدايا التي قدمت اليهما من ملوك وأمراء ورؤساء العالم وشخصياته العامة إلي الجمعيات الخيرية. إن القانون الانجليزي يمنع الاحتفاظ بالهدايا.. ولذا كانت الأسرة المالكة تمنحها لرجال القصر أو للمحال المحيطة بالقصر حيث يعاد عرضها للبيع مما كان يغضب اصحاب الهدايا. الأميران وليام وكاثلين أو "كيت" قررا منح هذه الهدايا للجمعيات الخيرية.. والقرار يؤكد حقيقتين : الأولي هي جينات الخير التي اكتسبها العريس من أمه الراحلة ديانا.. اميرة القلوب.. قلوب البريطانيين والمسلمين والعرب.. وأميرة قلبي أنا شخصياً. والثانية هي طبيعة العروس التي عاشت فترة من حياتها في الأردن فاكتسبت الصفات العربية الأصيلة وأهمها الكرم وحب الخير. * * * * الثاني : ان العروسين قررا برغبة من كاثلين قضاء أيام من شهر العسل في الأردن حيث عاشت هناك وهي طفلة عندما كان والدها يعمل مديراً لشركة الخطوط البريطانية في عمان ودرست الابتدائية في احدي المدارس الأردنية.. مما يؤكد انها فتاة اصيلة لا تنسي "العشرة".. مهما اصبحت ولو كان الجميع يهيئها ان تكون فوق عرش بريطانيا بجوار زوجها. الأصالة كقيمة اصبح الكثيرون عندنا يفتقرون اليها رغم اننا اصحابها الحقيقيون. في حين نجد الغرب "المادي" يتمسك بها وعن قناعة. أليس أمراً موسفاً بحق؟.. يا خسارة. * * * * الثالث : وهو الأهم من وجهة نظري : هذا الزحف البشري من الناس للمشاركة في احتفالات الزفاف. أكثرية من اكتظت بهم الشوارع واحتشدوا أمام قصر بكنجهام بريطانيون لم يخرجوا بهذا الشكل سوي مرتين : زفاف ديانا ووفاتها. وبعض المحتفلين كانوا من جنسيات أخري يعج بهم المجتمع الانجليزي.. منهم آسيويون وافارقة ولاتينيون وغيرهم. لماذا زحفوا بهذا الشكل؟.. هذا هو السؤال المهم جداً. زحفوا حبا في ويليام ابن اميرة قلوبهم وكاثلين بنت الشعب علي أمل أن تعوضهم "كيت" الفراغ التي تركته ديانا. وزحفوا اكثر وهنا مربط الفرس ليباركوا الزواج الشرعي ويدعموه!! لقد وجد المجتمع الانجليزي نفسه الآن في ورطة وكارثة.. نظراً لأن أكثر من نصف اطفاله غير شرعيين.. لم يخرجوا للحياة كثمرة للزواج الرسمي. وليس لهم آباء محددون. وليست لهم أوضاع قانونية معترف بها مثل باقي الخلق. إن خروج وتصفيق وتهليل وابتسامات الشعب الانجليزي أمس لويليام وكاثلين هي في حقيقة الأمر توقيع علي بياض يؤيد الزواج الشرعي. وصرخة مكتومة أو مدوية لا فرق تحذر من الانفلات والانحلال الاخلاقي.. والخطايا التي اثمرت وتثمر قنابل موقوتة في المجتمع. إن خروجهم بهذا الشكل هو اعتراف صريح بأن كلمة الله هي العليا دائماً.. ولابد أن تظل العليا حتي يرث الله الأرض ومن عليها. وإذا كنا نقول لويليام وكاثلين مبروك.. فأننا نقول للمجتمع الانجليزي ألف مبروك.. فقد وضع يده علي الداء ووصف لنفسه الدواء.