مع تعدد مؤلفات جان جاك روسو. والقيمة التي أضافتها الي الفكر الانساني. فلعل سيرة روسو الذاتية هي القيمة الأهم في كتاباته. لاتسامها بالصدق الذي جعل القراء في توالي العقود يحرصون علي اقتنائها. أذكر الأثر الذي أحدثته سيرة روسو عندما ترجمها حلمي مراد الي العربية. مثلت دافعا للعديد من المبدعين لكتابة سيرهم الذاتية. وكتب أمين يوسف غراب كما روي لي فصولا من سيرته. لم يضف اليها ولاحذف منها. وانما روي ماحدث بالفعل. غاب ما كتبه غراب برحيله. ظني أن ورثته اشفقوا علي أنفسهم. ولا أقول عليه. فهو الذي كتب سيرته! وحين تسرب خبز محمد شكري الحافي الي القاهرة. استعرت الكتاب من صديق. وفي داخلي سؤال عن القيمة التي يمثلها الخبز الحافي. بحيث لقي رغم المصادرة اقبالا لافتا. وترجم الي العديد من اللغات. وأدركت بعد القراءة الثانية لكتاب شكري ان الصدق فحسب هو ماحقق له قيمته. الامثلة تتعدد في ذكريات توفيق الحكيم وايزابيل الليندي واحمد أمين ولويس عوض وجارثيا ماركيت ولطيفة الزيات ونوال السعداوي وغيرهم. لامسوا وجدان الناس بالصدق الذي عبروا به عن تجارب حياتهم. ماحدث بالفعل. دون محاولة للكذب أو التجمل. مايغيظني هذه الكتابات التي تطالعنا في الصحف لادباء احترمنا صدقهم. وقدرنا اصرارهم علي مجاوزة الظروف القاسية. حتي تحققت لهم مكانتهم في المقدمة بين مبدعينا.. لعل الخوف من شحوب النجومية هو الباعث لهذه الكتابات التي تناقض ماقرأناه للكتاب أنفسهم. من حدثنا زمان عن البيت الريفي البسيط. والعمل في تنقية الدودة. والزير الذي ارتوي بمائه القراح. والاصرار علي التعلم والقراءة حتي تنبه الي موهبته الابداعية كما حدث لمبدعين كبار جاوزوا ظروفا قاسية. وان لم تكن الظروف نفسها. مثل حافظ رجب وحامد الأطمس ومحمد سالم وغيرهم. انهم يتحدثون عن القصر الفخم الذي يطل علي آفاق الخضرة. والبيانو الذي كان جزءا في أثاث البيت. والاب الذي لم يكن ينام قبل ان يدير الفونوغراف علي كلاسيكيات موزار وباخ. وذكريات اخري كثيرة. لاتملك الا الاعجاب بالخيال الذي أملاها. ولاتملك في الوقت نفسه الا المقارنة. وطرح الاسئلة. وتمني أن يعود المبدع الي الصفة التي أحببته فيها. وهي الصدق. والعفوية. واعتبار الماضي رغم مرارته حلوا. علي حد تعبير يحيي حقي. من الصعب ان نصنع ماضيا جديدا غير ماعشناه. وغير ما عرضنا له في الكتابات الأولي. وربما يكون قد شاركنا فيه آخرون. الصدق هو الجسر الامتن بين كاتب الخواطر واليوميات والسيرة. وبين قارئيه. ورحم الله استاذنا يحيي حقي الذي الف نكاتا عن قصر قامته. وأستاذنا المازني الذي سخر من ساقه المهيضة!