عشقت إلهام وتزوجت حياة. كان عشقي لإلهام إلي حد الهوس.. لكن أمها كان لها رأي آخر.. قالت لها بصوت يفيض كراهية وبغضاً.. "دا خمورجي وصايع إيه اللي عاجبك فيه..؟" ردت إلهام في أسي "القلب وما يريد يا أمي" لكن الأم لم ترق لها حكاية القلب هذه التي تسوقها ابنتها وطلبت منها ان تحكم علي الأمور بعقلها وليس بقلبها. خاصة وأن أمراً كهذا سيترتب عليه ان يلازمها طوال حياتها وفي مستقبلها.. وربما تندم عليه بعد ذلك.. ونسيت هذه المرأة أنها كانت يوماً زوجة لرجل آخر غير زوجها.. عشقت شقيق هذا الزوج واتفقا معاً علي الزج به إلي السجن. حتي تتمكن من طلب الطلاق.. وحتي يخلو لهما ميدان العشق ويتزوجا وقام العشيق بإحضار كمية كبيرة من المخدرات. دستها المرأة تحت فراش زوجها وأبلغا عنه الشرطة.. وألقي القبض عليه وصدر ضده الحكم بالسجن خمسة وعشرين عاماً وتم طلاقها وارتبطت بالعشيق الذي هو والد إلهام.. ورغم ذلك فقد عاشت طوال عمرها راكعة عند قدميه. ذليلة ومهانة.. ولم ينس لها يوماً انها غدرت بشقيقه الأكبر وأدخلته السجن المؤبد.. رغم انه كان شريكاً لها.. لكنها كانت هي التي استدرجته وقامت بإغوائه.. وهي أيضاً التي فكرت ودبرت.. وأوحت له بإحضار المخدرات التي دستها تحت فراش الزوج. نسيت المرأة ما فعلته في سبيل عشقها.. وتلبية نداء قلبها وأحاسيسها ورغبات جسدها المجنون.. عندما عرفت بما قالته أم إلهام لابنتها انتابني حزن شديد.. وجرح غائر في أعماق نفسي وقلبي.. وهمت علي وجهي في الشوارع والطرقات علي غير هدي.. وخيل لي أنها نهاية العالم. وفي ليلة مجنونة من ليالي القاهرة قابلت حياة.. فتاة متحررة إلي أبعد الحدود.. بادرتني بالتعارف. أعجبتني. انطلقت في ركابها.. وجلسنا معاً. كان يبدو الحزن والأسي علي وجهي ويهز كياني. صارحتها وحكيت لها عن الحب الكبير الذي كنت ومازلت أضمره في داخلي لالهام. ضحكت بشدة وبصوت مجلجل يفيض سحراً. اهتزت له أركان المكان الذي كنا نجلس فيه. ثم طوقت رقبتي بساعديها البضين شديدي النعومة.. وبصوت ساحر كأنه ينبعث من قيثارة همست لي.. "هتنسي إلهام وأم إلهام إلي الأبد.. ودلوقتي فوراً".. ولم يمض وقت طويل حتي كانت شوارع وسط المدينة تشاهد عروسين يخرجان من المقهي القديم "قبل تحويلها إلي وكر سياحي".. وتنحرف شمالا ناحية ميدان باب اللوق. ثم تواصل طريقها إلي محطة السكة الحديد.. وفي الساعات الأولي من الصباح كنا معاً علي محطة سيدي جابر بالإسكندرية.. لنبدأ شهر عسل.. جعلني أحس.. وربما كان هذا حقيقة. أني نسيت إلهام إلي الأبد.. وانطلقنا نلهو ونلعب ونأكل ونشرب.. حتي نفقد توازننا. في سعادة أو قل غيبوبة تلفنا إلي ان نغيب عن الدنيا.. وكان يبدو ان كلا منا كان سعيداً بالآخر وعاشقاً له.. في الإسكندرية التف حولنا الأصدقاء وهم كثيرون.. وأحالوا ليلنا إلي نهار بطول الكورنيش والكل يتسابق لاستضافتنا.. فكنا نأكل ونشرب كما يحلو لنا.. والكل فرح بنا.. وسعداء لأننا متواجدان معهم وإن كنت ألمح في أعين الكثيرين.. ان لم يكن الجميع علامات الحسد وكأنهم يستكثرون أن تكون هذه الجميلة زوجتي.. أو حتي مرافقة لي. أمضينا أيامنا في الإسكندرية وعدنا إلي القاهرة لنجد الأصدقاء في المقهي في استقبالنا.. ويلتفون حولنا مثلما فعل أصدقاء الاسكندرية. فكانت سعادتنا لا سقف لها أو حدود ولم نكن نفترق أبداً.. كل منا ملتصق بالآخر.. وبينما كنا نعبر الميدان ذات يوم.. فوجئت بإلهام أمامنا فجأة لا أعرف من أين جاءت أو إلي أين هي ذاهبة. توقفنا برهة يلفنا الصمت.. وكل منا يحملق في الآخر.. وقطعت إلهام الصمت بأن سألتني ضاحكة "مش تعرفنا علي الحلوة اللي معاك". بادلتها الضحكات وأيضاً ضحكت حياة معبرة عن السعادة التي سرت في داخلها. قلت لها "حياة.. زوجتي".. وتصافحت المرأتان ولم يبد علي إلهام انها فوجئت.. فقد كان الأمر طبيعياً.. وتحدثنا قليلاً ثم افترقنا.. بعد ان وجهت لنا الدعوة لزيارتهم في منزلهم.. خاصة وان صلة قرابة تربط بيننا.. وسألتني حياة وهي ترمقني بخبث بعد انصراف إلهام "حنيت..؟".. رددت متلعثما وكأني أنفي التهمة عن نفسي.. "أنا.. لا.. أبداً".. ولم نذهب إلي بيت إلهام.. كما وعدناها عندما دعتنا.. ودارت بنا الأيام دورتها.. وهجعت في نفوسنا تلك الرغبة المشتعلة في داخلنا وبقي الحب.. والحنان المتبادلان.. كل منا يحرص علي احترام الآخر إلي أبعد الحدود.. وإن كان ظل إلهام دائما ما يداعب خيالي وأحن إليها كثيراً.. لكني كنت قادرا علي إحباط هذا الحنين في داخلي. كنت أثق كثيرا في حياة.. وكنت بين الحين والآخر أتغيب عن البيت.. يوماً أو بعض يوم لانشغالي بأعمال في أماكن أخري.. وكانت حياة تحرص علي ألا تتناول الطعام حتي أعود إلي المنزل وكنت أحزن كثيراً لذلك.. وحاولت اثنائها عن هذه العادة.. التي ظاهرها الحب والتفاني.. وباطنها تعذيب النفس والأمعاء أيضاً.. لأنني كثيراً ما كنت أجد نفسي مضطراً لتناول بعض الطعام خارج البيت.. لكني لم أفلح في ذلك. ويبدو اني قد أطلت عليك في السرد.. فمعذرة. يوما عدت في ساعة متأخرة من الخارج وأنا أفكر في تلك المرأة المسكينة التي مازالت في انتظاري دون ان تتناول الطعام وربما غلبها النعاس فنامت.. ولم اشأ ان أطرق الباب.. فتحت الباب بالمفتاح الذي في جيبي.. وحرصت علي ألا أحدث جلبة حتي لا تستيقظ من نومها.. فقد كان الهدوء يسود أرجاء البيت والظلام ايضا.. تقدمت إلي الداخل علي أطراف أصابع قدمي.. في اتجاه غرفة النوم..وما كنت افتح الباب حتي.. فوجئت برجل آخر ينام إلي جور زوجتي.. في هذه اللحظة ألجمت المفاجأة لساني وتسمرت في مكاني وتهاويت علي الأرض ولا أذكر ما حدث بعد ذلك. منذ ذلك الحين اختفت حياة من حياتي تماماً ولم اعد أرها أو أعرف شيئاً عنها.. وكنت في بعض الأحيان أري إلهام في الطريق.. لكني كنت اسلك طريقاً آخر غير الذي تسلكه.. حتي لا نلتقي.. وإلهام الآن تجاوزت سن التقاعد.