كل المؤشرات تؤكد أن مصر مقبلة علي مرحلة سوف تشهد مزيداً من العمليات الإرهابية والتفجيرات التي تحصد الأرواح عشوائياً وقد تعيدنا إلي أيام الثمانينيات وأوائل التسعينيات. لقد تركت الأحداث الأخيرة خاصة تداعيات فض اعتصامات منطقة النهضة بالجيزة أو في منطقة رابعة العدوية لقد كشفت هذه الأعمال وغيرها أثناء تصفية هاتين المنطقتين عن مؤشرات وآثار قد تدمر كثيراً من العلاقات والقيم التي يعيش في ظلالها أبناء أرض الكنانة علي اختلاف آرائهم واتجاهاتهم وميولهم الفكرية. لقد تركت هذه الأحداث جرحاً غائراً في هذا المجتمع المترابط منذ مئات السنين.. سوف يحتاج في علاجه إلي سنوات وجهود من أجل النوايا الطيبة والعزيمة الصادقة لتصحيح المفاهيم والأفكار التي تتنافي مع قيم الحضارة المصرية الضاربة في الأعماق. كما تحتاج إلي صبر طويل وسعة صدر قادرة علي تخطي العقبات الكؤود التي ترسبت في النفوس نتيجة تراكم الأنظمة والفساد الذي ضرب كل أركان الحياة بلا استثناء بالإضافة إلي المفاهيم التي عفا عليها الزمن منذ فترة طويلة والزعم بتطبيق الشريعة الإسلامية كما يردد جماعة الإخوان المسلمين وبعض التيارات التي تنتمي إلي هذا الفكر. الأمر يحتاج إلي دراسة متأنية لكل الأفكار والآراء التي تتردد في الساحة سواء علي مستوي الجماعات أو الأحزاب ومختلف التيارات. وأن تكون هذه الدراسة قائمة علي التجرد من الغرض وأن يكون القائمون عليها من العناصر المشهود لها بالكفاءة والتجرد من الميل لأي فكر أو اتجاه. إن مصر فوق كل اعتبار. ولاشك أن الأمر جد خطير وإذا تجاوزته هذه الأمة المصرية الزاخرة بالعلماء والكفاءات في كل التخصصات فإن الله سوف يحاسبنا جميعاً علي أي تقصير أو إهمال فضلاً عن أن التاريخ لن يرحمنا وسوف تلعننا الأجيال المتعاقبة. إن مسئولية مواجهة هذه التداعيات تقع علي مختلف القوي والهيئات والمؤسسات العلمية والثقافية. وكذلك علي عاتق الأزهر تلك المؤسسة العريقة التي يجب أن تنهض بمهمتها في نشر ثقافة التنوير الإسلامية التي تعتمد علي الوسطية والاعتدال والتحرك وسط الجماهير وعقد الندوات واللقاءات. ولقد ترك الأزهر الساحة حتي أصبحت الدعوة والإفتاء مهنة من لا مهنة له. لقد رأينا الكثير من غير المتخصصين يتحدثون عن الكثير من الأفكار والآراء التي ملأوا الساحة بها ومع شديد الأسف لقد تغلبت الأفكار المتطرفة علي الأزهر ورجاله. لقد أن الآوان ليأخذ الأزهر برجالاته وعلمائه زمام المبادرة فنري حلقات العلم والتنوير الوسطية تناهض الأفكار المتطرفة أو الوافدة. إنني استحث همم هؤلاء العلماء وغيرهم من أبناء هذا البلد الذي ساهم أبناؤه في نشر الفكر المعتدل في بلاد العالم الإسلامي والعربي. الأمر يحتاج إلي جهد العلماء المخلصين. إن ما شاهدناه من أحداث وتداعيات كلها صور تدمي القلوب. إن إراقة الدماء لأي مصري وغيره حرام ولا تميز بين أهل فكر وفكر مغاير كل الدماء بلا استثناء حرام حرام ولا جدال في ذلك بأي شكل من الأشكال. لكن ما رأيناه من تمثيل بالجثث وعمليات انتقام تكشف عما في الصدور من غل وحقد دفين يؤكد أننا ننتقم من بعضنا البعض بصورة بغيضة تزرع في النفوس الأحقاد سوف تنخر في جسد المجتمع وتظل الدماء تنزف بصورة أكثر بشاعة فمن كان يتصور أن مجموعات من أبناء مصر البلد الطيب تقوم بهجوم علي قسم شرطة وبالتحديد قسم شرطة كرداسة وترتكب تلك الصور المفزعة التي شاهدنا صورها بأجهزة التليفزيون وتناقلتها الفضائيات. لم تكتف هذه المجموعات بعمليات القتل وإنما امتدت إلي التمثيل ببشاعة تعجز الكلمات عن وصفها تصوروا أنه قبل أن يلفظ الضحية آخر أنفاسه يتم تعذيبه بحقد وغل ينبئ عن أن الصدور مليئة بالأفكار السوداوية والأكثر غرابة أن يتم نقل هذه الضحية علي سيارة ويتم علي مرأي من الجميع صب ماء النار علي الجثة فأي بشاعة أكثر من هذا الفعل الشنيع دون تقدير لاحترام آدمية البشر أو وازع من ضمير أو إدراك بأن الله يطلع علي هذه الأعمال أو خوف من عذابه يوم لا ينفع مال ولا بنون. إن ما جري في قسم شرطة كرداسة وغير ذلك من المناطق أو المواقع لابد أن تكون هناك محاسبة لأي إنسان أياً كان موقعه وتقديمه لمحاكمة عادلة والقصاص منه. لابد من البحث بهمة لا تعرف اليأس أو التقاعس لتقديم هؤلاء إلي العدالة لينال كل مجرم العقاب المناسب.. إن الإهمال أو التراخي سوف تنعكس آثاره علي الجميع بصورة أشد تنكيلاً ووبالاً مما شاهدنا وسمعنا.. في الختام تحية لشهداء الواجب الوطني من أبناء الشرطة وغيرهم. هذه العمليات وتلك التداعيات تتطلب أمرين أساسيين لا بديل عنهما. الأول أن تنهض الدولة بأجهزتها الحكومية ومؤسساتها في تحقيق ما يصلح الأمة بكفاءة واقتدار ودون التفاف إلي الخارج وما يصدره لنا من آراء وأفكار تنطوي علي أمور ليست في صالح أمتنا. ليقل هؤلاء ما شاء لهم أن يقولوا علي الدولة أن تنهض بمهمتها من أجل صالح المجتمع المصري خاصة بسطاء شعبنا الكادحين ولعله لا يغيب عن خاطر الحكومة الرشيدة أن أصحاب الأفكار المتطرفة يعتمدون علي بث هذه الأفكار وسط هؤلاء البسطاء الذين لا يجدون قوت يومهم بالإضافة إلي الجهل والفقر يجعل الإنسان عبداً لمن يتولي توفير حياة الكفاف له. ليت هذه الحقائق تكن ماثلة أمام الجميع حتي نقطع الطريق علي دعاة هذه الأفكار أما الأمر الثاني فيتطلب من الأزهر ومختلف المؤسسات العلمية والثقافية والاجتماعية التحرك بفاعلية لتصحيح المفاهيم المغلوطة ومعالجة الخطاب الديني والرد علي التساؤلات وتفنيد الأباطيل والأفكار التي تتنافي مع وسطية واعتدال القيم الإسلامية. إن مصر تتطلع إلي الجهود المخلصة حتي لا تصبح مثل الإخوة الأعداء.. كفانا تناحراً وما يسمي بالتظاهر الذي تحول إلي مواقع للتجمعات وسط أصحاب الأفكار المتطرفة.. إن مصر في انتظار هذه الجهود قبل أن تلتهم النار الأخضر واليابس ولله الأمر من قبل ومن بعد!!.