بعد أن أنزل الله قرآناً تحمل آياته براءة السيدة عائشة رضي الله عنها من الاتهامات التي روجها أهل النفاق فيما عرف بحديث الافك زوراً وبهتانا وتم اخماد النيران التي اشعلها هؤلاء بقيادة رأس النفاق عبدالله بن أبي سلول ومضت آيات سورة النور توضح لكل من دخل في دين الله وأصبح مسلماً ان يتجنب الخوض في مثل هذه الاكاذيب ويشير إلي ضرورة التثبت ولا تطلق الاتهامات دون دليل "لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فاؤلئك عند الله هم الكاذبون". كما نبهت الايات البينات ان المؤمنين إذا قالوا مثل هذه الأقوال قاسوا ذلك الكلام علي أنفسهم فإن كان لا يليق بهم فغيرهم اولي بذلك وفي هذا المقام أم المؤمنين عائشة أولي بالبراءة بطريق الاولي والاحري ومما تنقله الروايات في هذا المجال ما روي أن أبا أيوب "خالد بن زيد الانصاري" قالت له امرأته أم أيوب يا أبا ايوب أما تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله عنها قال: نعم وذلك الكذب أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت لا والله ما كنت لافعله قال: فعائشة والله خير منك. هكذا يكون تعامل المؤمنين في مثل هذه الوقائع حفظا للاعراض وصيانة للعفيفات من قالة السوء. وقد نبه القرآن الكريم إلي حقيقة يغفل عنها كثير من الناس وهي أنهم قد ينجرفون في طريق أهل الافك فيتحدثون بذلك اعتقاداً منهم أن هذا الأمر هين بينما هو عند الله عظيم. وبذلك كان التحذير واضحاً للابتعاد عن ذلك وأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أولي وكيف يحدث ذلك من هؤلاء الذين اطلقوا ألسنتهم زوراً وبهتانا علي زوجة خاتم المرسلين وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم إذ يقول في هذا المجال "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يدري ما تبلغ لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار ابعد ما بين السماء والأرض". ثم جاء التحذير من ترويج هذا الإفك "إن الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة" وذلك لكي يتأدب أهل الايمان بهذا الأدب ويبتعدوا عن الكلام القبيح في أعراض الناس وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوراتهم. فإنه من طلب عورة أخيه طلب الله عورته حتي يفضحه في بيته" إذ كما تدين تدان. فليحذر أولو الألباب. من المفارقات في حديث أهل الافك أن مسطح بن آثاثة الذي قال في السيدة عائشة من الاقاويل التي تروج للاكاذيب حول بنت الصديق. هذا الرجل هو ابن خالة الصديق وكان من المهاجرين في سبيل الله ومن الفقراء لا مال له ويتولي أبوبكر الانفاق عليه ولم يقدر هذه المواقف لابن خالته وانطبق في حقه المثل القائل: "اتق شر من احسنت إليه" وبعد ان استقرت الاوضاع وهدأت النفوس بعد هذه الواقعة واقيم الحد علي من تجاوز ونال مسطح عقابه حيث اقيم عليه الحد وتاب الله عليه. ازاء هذا الموقف السييء والاسلوب الرديء أقسم أبوبكر الصديق رضي الله عنه ألا ينفق علي مسطح ولا ينفعه بأي شيء من ماله مطلقا بعدما قال في ابنته دون مراعاة لصلة القرابة وايادي الصديق البيضاء عليه لكن الحق تبارك وتعالي أنزل الآية 22 من سورة النور "ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربي والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحو. ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم" وهذا المبدأ في غاية الترفق والعطف علي صلة الارحام وفي الآية اشارة لكي يعطف أبوبكر علي قريبه خاصة أنه صاحب القلب الكبير والمعروف بعطفه وله الفضل علي الاقارب والاجانب وعندما نزلت هذه الآية بادر أبوبكر بالانفاق علي مسطح ابن خالته ثم ارجع إلي مسطح ما كان يصله من النفقة وقال والله لا اقطعها أبداً. تلك رحمة من رب العالمين ونداء للعفو ومن حلمه ولطفه تعالي بخلقه. علي ظلمهم. ثم ان أبا بكر حين دفع النفقة لمسطح قال أحب ان يغفر الله لي. إنها رحمات رب العالمين ولطفه بالعباد ونداء بالسماحة ومقابلة السيئة بالحسنة والله غالب علي أمره.