في مشهد مهيب خلع القلوب ومزق المشاعر.. لم يستطع كل من شارك فيه حبس دموعه. ودع رجال الشرطة الجثمان الطاهر لشهيد الوطن والواجب الضابط الشجاع الرائد محمد سيد عبدالعزيز أبوشقرة الذي لقي ربه بعد إصابته برصاص الغدر من عناصر إرهابية بسيناء. تمزقت الأفئدة حزنا وانهمرت الدموع وخرجت الآهات المكتومة من الصدور حينما أصرت الأم المكلومة والشقيقات الثكالي علي وداع الابن الوحيد للأسرة بالزغاريد وأكدن انه ترك عروس الدنيا التي كان من المقرر أن يزف إليها بعد أيام لتزفه الملائكة إلي عروس من الحور العين بالجنة إن شاء الله. كانت لحظات عصيبة تلك التي انتظرت فيها قيادات وضباط الشرطة من زملاء الضباط الشهيد أمام مسجد الشرطة بالعباسية ومعهم أسرة وأقارب وأصدقاء الضابط الشجاع ولم يكن لحرارة الجو أو الشمس الحارقة أي تأثير فالجميع ينتظرون وصول الجثمان ملفوفا في علم مصر كي تؤدي عليه صلاة الظهر ثم صلاة الجنازة ليزف كما أكدوا جميعا إلي السماء مخلدا بين الشهداء. ما ان وصلت السيارة التي حملت الجثمان تسابق زملاؤه من ضباط مكافحة الإرهاب وضباط الأمن الوطني لحمله إلي داخل المسجد وسط صراخ وعويل الأهل والأقارب وآهات ترقق القلوب ونحيب من زملائه الذين يعرفونه وتعاملوا معه والذين وصفوه حميعا بأنه يستحق هذه الشهادة وهذه المكانة عند المولي عز وجل وقد فاجأت الأم والشقيقات الثلاث الجميع بإطلاق الزغاريد مرددين "لا إله إلا الله محمد رسول الله". ورددت الشقيقات طوال الوقت "حسبنا الله ونعم الوكيل". و"اللهم احرق قلب كل من حرق قلبنا". داخل مسجد الشرطة لم يتكرر المشهد الذي كان معهودا من قبل حيث وقف وزير الداخلية أثناء الصلاة علي روح الشهيد في الصف الرابع وبدا عليه الغضب والحزن وبالطبع استشعر حالة الغضب التي انتابت كافة رجال الشرطة وعقب الصلاة وبعد ما تردد من هتافات صوب المشاركون في الجنازة من الضباط وأهالي الضباط جام غضبهم علي الأوضاع السياسية التي تشهدها البلاد ولم يحضر وزير الداخلية مراسم تشييع الجنازة وانصرف حتي لا يصطدم مع أي من الضباط الغاضبين أو أسرة الشهيد. عزفت الموسيقي الجنائزية ووضع الجثمان الطاهر ملفوفا بعلم مصر علي سيارة الحماية المدنية وتقدم الجنازة قيادات من الشرطة ووالد الشهيد وزملاؤه من الضباط وحملة أكاليل الزهور لكن كل تلك الأمور الرسمية لم تؤثر في المشاعر الغاضبة فأصوات الباكيات ملأت عنان السماء وصرخات الضباط الشباب خرجت بلا وعي ورفض الكثيرون منهم الحديث لوسائل الإعلام بعد أن طغي عليهم الحزن والتزم الأب المكلوم الصمت وهو يحاول أن يبدو متماسكا لكن هيهات فقد بدا طوال الوقت وكأنه يبحث عن شيء فقده ولما لا وهو الذي فقد الابن الوحيد والأخ لبناته الثلاث الذي كان كل ما يتمناه أن يبقي حيا سندا لهم ولكن رصاص الغدر قضي علي هذا الحلم وهذه الأمنيات إلي الأبد. الأم لم تكن إلا مجموعة من الأحاسيس التي مزقتها الفجيعة ولم يكن يتصور أكثر أصحاب الخيال بلوغا أن تطلق الأم الزغاريد ومن بعدها شقيقات الشهيد مرددين الهتافات "لا إله إلا الله محمد رسول الله" الأم تزغرد وقريباتها تعلين الصراخ في مشهد غريب إن دل فإنما يدل علي تلك الحالة الهستيرية التي أصابت الجميع. قالت الأم وهي تحاول التماسك ان ابنها الشهيد اختاره المولي عز وجل لتزفه الملائكة إلي عروس من الحور العين في جنة الخلد فيما أكدت شقيقاته ان الشهيد أصبح عريسا في السماء وحرموا من أن يشهدوا عرسه في الأرض الذي كانوا يعدون له وينتظرون ذلك اليوم بفارغ الصبر لكن هيهات فقد تحول الواقع إلي مجرد أوهام لن تتحقق.. وقد مزق ذلك قلوب كل من شاركوا في الجنازة. أما والدة خطيبته فقد قالت: "اللهم احرق قلب من حرقوا قلب ابنتي علي خطيبها". عقب الجنازة الرسمية تسابق زملاء الفقيد إلي حمل الجثمان علي الأعناق حتي وضعه في سيارة الإسعاف التي حملته وتوجهت به إلي مثواه الأخير في مدافن الأسرة في مدينة طامية بالفيوم وتقبل العزاء في السرادق الذي أقيم بحي الجامعة أمام الإدارة العامة لمرور الفيوم. زملاء الضباط الشهيد حملوا الحكومة والنظام الحالي المسئولية الكاملة لما يحدث من اعتداءات واغتيالات لضباط الشرطة والأفراد والمجندين لعدم إعطائهم أوامر بالتعامل مع الخلايا الإرهابية والجماعات المسلحة الموجودة في سيناء حتي الآن وعدم التفعيل الكامل للقوات المتواجدة مما يعرض حياة الضباط والأفراد إلي المزيد من الخطر وانه في حالة استمرار النظام الحالي علي موقفه مما يحدث لرجال الشرطة في سيناء فإن أعداد الشهداء من الضباط والأفراد سوف يتزايد. حرص النادي العام لضباط الشرطة وفي بيان رسمي أعلنه الرائد محمد الطنبوبي المتحدث الرسمي باسم النادي أكد فيه استنكار النادي لما يحدث في سيناء ورد الفعل السلبي لواقعة استشهاد هذا الضابط الذي يعد من أكفأ العناصر الشرطية. أوضح الضنبولي ان النادي يحمل رئيس الجمهورية والحكومة الحالية مسئولية ما يحدث في سيناء من جرائم قتل وعنف. أضاف الطنبوبي ان الأيادي المرتعشة لن تحقق الأمن المنشود وأن النادي ينذر بأن الأوضاع الراهنة في سيناء تهدد بكارثة بسبب منع التعامل والمواجهة مع العناصر الإجرامية الموجودة هناك خاصة انه يتم التهديد والتلويح بشكل مستمر باللجوء إلي استخدام سيناء في جلب عدد من العناصر المسلحة قبل مظاهرات 30 يونيو القادم. أشار المتحدث باسم النادي العام لضباط الشرطة أن أجهزة الداخلية تتعهد بحماية المنشآت المهمة والحيوية والأمنية والحكومية فقط ومن تحمي أي منشآت تخص فصيل سياسي ولن يتعرض ضباط الشرطة لأي مواطن مصري بعيدا عن تلك المنشآت التي تدخل في إطار حماية الشرطة مشيرا إلي أن شوارع وميادين مصر ملك للشعب وحده. فيما أكد مصدر أمني مسئول ان الضابط الشهيد كان من بين مجموعة العمل من ضباط الأمن الوطني المكلفة بمتابعة ملف الجنود المختطفين لضبط المخالفين الهاربين وان التحريات الأولية كشفت عن أن مرتكبي واقعة اغتياله مجموعة مسلحة من الجماعات الجهادية المطلوب ضبطها في سيناء وأن الحادث تم تدبيره للانتقام من الشرطة عقب القبض علي المتهم بوضع فيديو الجنود المختطفين علي مواقع التواصل الاجتماعي وأن هناك بعض المعلومات التي تشير إلي أن مرتكبي الواقعة ينتمون للجماعات التكفيرية بسيناء وعددهم 4 من المسلحين تعامل معهم الضابط الشهيد في بداية الواقعة وأصيب أحدهم ويرجح أن يكون قد لقي مصرعه. كانت النيابة العامة قد عاينت الجثمان الطاهر للضابط الشهيد داخل مستشفي الشرطة وبعدها سمح لوالده ووالدته وشقيقاته بإلقاء النظرة الأخيرة علي الشهيد حيث مكث والده لمدة 7 دقائق بجواره وخرج في حالة انهيار فيما بدت الأم والشقيقات الثلاث في حالة ذهول كامل ولم يتم تشريح الجثمان الطاهر للبطل الشهيد وقد قررت النيابة دفن الجثمان وضبط مرتكبي الواقعة.