يظل الحوار دائماً هو أفضل وسيلة للتفاهم بين أطراف مختلفة ومتنوعة.. لكن السؤال المهم هو كيف يكون هذا الحوار.. وحول أية قضايا سيجري.. وما الهدف منه.. ومن هم الذين سيشاركون فيه. وبدون اجابات واضحة لهذه الأسئلة الأربعة يظل الحوار تائهاً ومعلقاً في الهواء.. أو يتحول إلي دخان في الهواء وفق العنوان الأثير لدي أستاذنا الكبير جلال الدين الحمامصي رحمة الله عليه. الاجابات الواضحة علي الأسئلة الأربعة تجعل الحوار مختلفا عن الدردشة و"قعدة المصطبة" و"سهراية العربان" التي تعقد فقط من أجل تمضية الوقت والتسرية عن الناس. ثم تزداد أهمية الحوار عندما يتعلق بقضايا شائكة علي الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مرحلة مفصلية من تاريخ الوطن لا تحتمل الالتفاف ولا تحتمل تضييع الوقت. وتأسيساً علي القاعدة الشرعية التي تقول "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" كان من الضرورات الوطنية الآن أن يجري حوار موسع بين كافة الأحزاب والتيارات الفكرية والشخصيات الفاعلة علي الساحة من أجل التوصل إلي قواسم مشتركة يتم التوافق حولها ونحن مقدمون علي مرحلة التغيير الشامل.. المرحلة التي سيتم فيها ترجمة شعارات الثورة وهتافاتها إلي واقع ملموس.. إلي مؤسسات ودستور وقوانين.. حتي نستطيع في النهاية أن تقول إن الثورة غيرت مصر فعليا.. غيرت جوهرها ولم تقف عند الشكل والمظهر. لكن الذي حدث أن الحكومة سارعت إلي الاعلان عن بدء حوار مفاجئ تحت رعاية د. يحيي الجمل نائب رئيس الوزراء قالت انها دعت إليه 160 شخصية عامة.. ومساء الأربعاء الماضي انعقدت الجلسة الأولي لهذا الحوار وشارك فيها د. عصام شرف رئيس الوزراء وعمرو موسي المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية وكوكبة من أصحاب الأسماء الرنانة والمثيرة. وعلي الرغم من أن د. عصام شرف قال ان هذه الجلسة بمثابة "قص الشريط" لبدء الحوار إلا أنها وكما ظهرت في صحف اليوم التالي كانت صدمة بكل المقاييس لكل من يعرف قواعد الحوار الوطني وكيفية تنظيمه وادارته حتي يأتي مختلفا عن جلسات الدردشة. وأستطيع أن أرصد أسباب الصدمة في النقاط الخمس التالية: * لم تكن هناك أهداف محددة لهذا الحوار منذ البداية.. ولا جدول أعمال معلناً.. ولا خريطة طريق تقول ان هذه الجلسة ستناقش كذا وكذا.. ثم تناقش الجلسة التالية كذا وكذا. * ولم يكن هناك اعلان واضح عن ماذا سيحدث بعد الحوار.. وكيف سيتم الاستفادة من نقاط الاتفاق والاختلاف.. ناهيك عن أن أحدا من المسئولين لم يجب عن السؤال الأساسي وهو: لماذا يجري الحوار أصلا؟! * ولأنه لم يكن هناك جدول أعمال فقد رأينا المتحدثين يتناولون قضايا مختلفة.. كل متحدث يعبر عما يشغل باله ويعبر عن اهتماماته وتخوفاته.. ولا مانع من أن يتحفنا ببعض النصائح والعظات. * اعتمدت الدعوات إلي الحوار علي الأسماء.. أي علي الصفة الشخصية.. دون أن تلتفت إلي الكيانات المنظمة في المجتمع كالأحزاب "المهمة طبعا" والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والجماعات والجمعيات ذات الصلة بكل قضية من القضايا المطروحة للحوار.. وكان من نتيجة هذا التجاهل أن استنكر 22 حزباً عدم دعوتها.. وطالبت بتنحي د. يحيي الجمل عن إدارة الحوار متهمة إياه بالتحيز.. كما أعلنت جماعة الإخوان. * إن حالة الارتباك التي ظهرت في الدعوة إلي الحوار وانعكست بكل وضوح علي الجلسة التشاورية الأولي ترجع إلي التسرع في طرح فكرة الحوار والاتجاه إليه بشكل مفاجئ دون اعداد جيد.. وأغلب الظن أن هذا التسرع يرجع كما تردد في الأوساط السياسية إلي رغبة الحكومة في أن يسبق حوارها دعوة الإخوان التي طرحتها علي الأحزاب للحوار والاتفاق علي نقاط معينة.. إذ يبدو والله أعلم أن الحكومة قررت "فجأة" أن تأخذ زمام الحوار بيدها ولا تدعه في يد الإخوان أو أي فصيل آخر.. ويكون لها قصب السبق في ذلك.. ولا شيء في هذا ولكن كان يجب أن يتم بوعي وادراك لتفادي جوانب القصور والارتباك. والآن.. دعونا نساعد الحكومة ونقدم لها جدول أعمال للحوار الوطني المطلوب بشدة.. وهذا الجدول ليس اختراعاً عبقريا وإنما هو مجرد محاولة لجمع القضايا المثارة حاليا للنقاش الجماهيري الموسع.. ويجب أن يأتي الحوار السياسي لينظمه ويضعه في اطاره المؤسسي الصحيح بمشاركة كل الأحزاب والنقابات والمنظمات والجمعيات.. كل فيما يخصه. * وهذا الجدول يمكن أن يتضمن الملفات التالية: * الانتخابات البرلمانية القادمة.. هل تجري فردية أم بالقائمة النسبية التوافقية بين الأحزاب.. وكيف يتم توزيع النسب بين المرشحين. * هل مصر مستعدة لاجراء انتخابات مجلس الشوري بعد انتخابات مجلس الشعب.. أم الأفضل أن يتم تأجيل هذه الانتخابات إلي أجل غير مسمي.. حتي تحين اللحظة المناسبة لإلغاء مجلس الشوري تماما وتوفير ميزانيته لما هو أكثر فائدة.. * هل المجتمع مستعد الآن لتقبل إلغاء نسبة ال 50% للعمال والفلاحين وكوتة المرأة أم أن البعض سيلجأ للمزايدة في الانتخابات القادمة بما يشتت الانتباه حول القضايا الوطنية الحقيقية؟! * ماهو السبيل الصحيح لطمأنة المتخوفين من المادة الثانية للدستور حتي لا تتحول مصر إلي دولة دينية؟ * وماهي الضمانات الواجب توافرها حتي لا ينحرف جهاز الأمن الوطني الجديد ويقع في نفس الخطايا التي وقع فيها جهاز أمن الدولة؟! * هل الأفضل أن تتجه مصر للنظام البرلماني أم تحافظ علي النظام الرئاسي؟ * كيف يتم التعامل مع مشكلة البطالة والتفاوت الكبير في المرتبات؟! * ماهو الأسلوب الأمثل لتطوير التعليم وتشجيع الاستثمار والتصرف في أراضي الدولة ومشروعات الشباب؟! هذه نماذج من الملفات الشائكة التي تحتاج فعلا إلي حوار وطني حقيقي يتم فيه طرح الدراسات والاقتراحات القابلة للتطبيق وليس مجرد جلسات للخطابة. إشارات: * يبدو أن "الحوار" هو موضة هذه الأيام.. حوار في مجلس الوزراء وحوار في وزارة الري.. وحوار منتظر بين الإخوان والكنيسة.. خير اللهم اجعله خيراً. * بدأ موسم حصاد القمح في توشكي.. والسؤال: هل هذا القمح سوف يدخل إلي السوق المصري أم سيذهب إلي الخارج.. من برة لبرة.. خصوصا أن مصر في أمس الحاجة إلي القمح.. ومازالت تدفع فيه دم قلبها.. وما تحتاجه مصر من قمح أرضها ومائها يحرم علي أوروبا وآسيا. * معقول..!!.. عندما نريد أن تعرف حجم خطر سد "بوردر" في اثيوبيا علي حصتنا في مياه النيل نسأل اثيوبيا.. طيب.. سوف تخدرنا بكلام معسول والسلام.. فماذا نفعل؟! * اعترف مصدر مسئول في البنك المركزي بأن احتياطي النقد الأجنبي انخفض 6 مليارات دولار في شهرين.. وميزان المدفوعات تراجع 3 مليارات دولار خلال فبراير ومارس فقط.. وحصيلة السياحة انخفضت بمعدل 1.25 مليار دولار شهريا. هذه أرقام مخيفة.. خصوصا إذا وضعت بجوار تدهور مستوي الانتاج وانخفاض تحويلات المصريين في الخارج.. وعودة الآلاف من ليبيا. قولوا للناس إننا في أزمة حقيقية.. ولابد من أن يعملوا بجد حتي يجدوا ما يطعمون به أبناءهم وأسرهم. * كل التهنئة للزملاء الأفاضل الذين تولوا المسئولية في الصحف القومية وتمنيات طيبة للذين غادروا المسئولية.. ودعوات من القلب أن يفك الله أزمة الصحافة القومية التي تحتاج إلي هزة عنيفة تضعها علي الطريق الصحيح.