ظلت وزارة الثقافة علي مدي ربع قرن من الزمان تمثل بؤرة من أخطر بؤر الفساد المادي والمعنوي. كان وزيرها مقربا من حرملك النظام البائد ومعه عدد من موظفيه الذين كان شغلهم الشاغل خدمة الحرملك ومن فيه خدمة العبد لسيده. ولو جاء ذلك علي حساب الدين والقيم والاخلاق. بدءا من اختيار الملابس والوانها الي كتابة الخطب والبيانات! عندما تولي الوزير الاسبق فاروق حسني الوزارة عام 1987م فقد كان توزيره بمثابة الصدمة التي باغتت المثقفين الحقيقيين.. ويومها كتب صحفي حكومي مازال حيا ان الوزير المذكور كان ترتيبه الاخير بين المرشحين الخمسة للوزارة. وان اختياره جاء مفاجأة لرئيس الوزراء عاطف صدقي يومئذ. ولكنه لم يملك ردا لارادة النظام الذي يعين ويقيل! المهم ان الوزير المرفوض ثقافيا وشعبيا. تعامل بدهاء مع بعض الرافضين وخاصة من يضعفون امام الترغيب والعطايا. ولم يجد غضاضة في زيارة بعضهم في منزله وقد اثمر سلاح الدهاء والترغيب مع فريق من الشيوعيين الذين تأمركوا والمرتزقة الذين لايعنيهم من يدفع بقدر مايعنيهم المدفوع. وتمكن الوزير المخلوع من انشاء ماسماه بالحظيرة الثقافية. حيث اعلن ان من يسميهم المثقفين في مفهومه قد دخلوا الحظيرة! كان معظم رواد الحظيرة من اليسار الانتهازي الذي تأمرك فيما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. فضلا عن المرتزقة الذين يتعايشون مع كل عصر وكل فكر. استطاعت الحظيرة الثقافية ان تهيمن علي كل مؤسسات الوزارة: المجلس الاعلي للثقافة. والتفرغ. هيئة الكتاب. دار الكتب القومية. المسرح. السينما. الاوبرا. قصور الثقافة. مركز الترجمة. الاثار. المتاحف. الفنون التشكيلية والمراسم والسمبوزيوم. وبالتالي المؤسسات النقابية المدعومة من الوزارة. مثل اتحاد الكتاب والاتيليه.. وتبوأت قيادات الحظيرة مراكز ومناصب ذات عائد كبير. ولو كانت هذه المراكز والمناصب مجرد لافتات لاتعني انتاجا أو إثمارا.. فكان هناك رؤساء اللجان. ورؤساء التحرير. ورؤساء المراكز. ورؤساء القطاعات. ورؤساء الفروع والهيئات.. الخ.. ولم يكتف الوزير صاحب الحظيرة. بتكوين لوبي من الصحفيين الموالين له الذين يكتبون مدافعين عنه ومنافحين. بل أنشأ جريدة اسبوعية ادعي في البداية ان الجريدة مفتوحة لكل الاراء والافكار. ولكنها انتهت الي جريدة تدافع عن الوزير وشطحاته. ورجاله وافكاره. وكان مصير الكتاب الذين يختلفون مع سياسة الوزير ان طردوا جميعا. او فرض عليهم الخروج دون رجعة.. السياق يؤكد هيمنة اليسار المتأمرك علي الوزارة وفكرها وتصورها ان يكون الفكر الاسلامي مستهدفا. والثقافة العربية الاسلامية محل تصويب دائم. حتي بعد الثورة العظيمة في يناير. مازال مثقفو الحظيرة. والجريدة الناطقة باسم الوزارة يؤكدون علي الفزاعة الاسلامية وهجاء كل توجه اسلامي ووصمه بأقذر النعوت بدءا من الرجعية الي الظلامية والتخلف والتعصب.. وعن طريق تماهي الوزير الاسبق مع النظام فقد تم حرمان المعارضين له من الجوائز. او الدعوة الي المؤتمرات او النشر في مؤسسات الوزارة او الحصول علي التفرغ. او المشاركة بصفة عامة في انشطة الوزارة. وفي المقابل فقد كان القوم يتبادلون المصالح في الدول العربية المشابهة في الاستبداد والطغيان من جوائز ومؤتمرات وندوات ودعوات ونشر كتب. ومقالات وغير ذلك. واستطاعت قيادات الحظيرة ان تهيمن ولما تزل علي لجان التحكيم والنشر والجوائز في دول الخليج والمغرب العربي. وليبيا. فضلا عن بلاد الشام والسلطة الفلسطينية المحدودة في رام الله. حتي مشروع مكتبة الاسرة اخضعوه للمصالح المتبادلة داخليا وخارجيا. وافرغوه من مضمونه ليكون معظم المنشور لافراد الحظيرة واشياعهم ومن يساند افكارهم المعادية لثقافة الامة وهويتها. لم يكن غريبا ان يعلنوا بعد نجاح الثورة عن تغيير اسم جائزة مبارك التي أنشأوها تملقا للنظام البائد. ووزعوها علي انصار النظام ومنافقيه. ولم تصعد حمرة الخجل الي وجوههم ابدا. عقب انهيار النظام وبدء هروبه. لم يجد احد العناصر الاساسية في الوزارة حرجا ان يهرع لاداء اليمين القانونية قبل التنحي. وزيرا للثقافة الفاسدة ومنهجها الاقصائي العدواني ضد الثقافة العربية. ويخوض في دماء الشهداء دون ان يطرف له جفن او يهتز له ضمير. وعندما اعلن عن تعيين وزير اخر للثقافة قيل انه يصلي. او يبدأ خطبه باسم الله الرحمن الرحيم. قامت قيامة الحظيرة الثقافية لتتهم الوزير انه من الاخوان المسلمين لم يقولوا انه مسلم فقط وهم يعلمون ذلك جيدا تأكيدا علي استخدام الفزاعة التي يعاديها سادتهم في النظام البائد والغرب الاستعماري. وتناسوا أنهم كانوا ضيوفا شبه دائمين علي ساقيته. ويفيدون منها بطريقة ما. ان هذا الوزير الذي يتلفظ بالبسملة اقرب الي الحظيرة وافكارها. وسبق ان قال في مؤتمر بألمانيا الغربية حول الغاء المآذن في سويسرا: ان المآذن تمثل نظاما قبيحا في المباني الغربية. ورأي انه لاداعي لها. فالرجل ليس حريصا علي الاسلام ورموزه. ولاينتمي الي الاخوان. وقيل ان اباه. وكان وزيرا للثقافة في عهد الرئيس السادات. كان في شبابه يساريا! ولكن اليسار المتأمرك لايترك مجالا لاحد. لانه يريد الاستحواذ. واقصاء من لايسايره أو يمضي علي دربه المظلم!. ثم انظر كيف تضامنوا وقدموا وزيرا منهم في الوزارة التي شكلها عصام شرف. بعد سقوط وزارة احمد شفيق. وروجوا له في الصحف والمواقع التي يهيمنون عليها مع انه يساري ونجل يساري ولم يجد حرجا او عيبا ان يقول علي مسمع ومرأي من ملايين المشاهدين في العالم العربي عبر شاشة التليفزيون ان المد الاسلامي "هو المسئول عن سلب حقوق المرأة" ثم انه يعتمد سياسة الاقصاء للمخالفين له في الرأي. وتابع سياسة سلفه واستاذه الذي مازال حتي اليوم يحتل مساحة اسبوعية كبيرة في اكبر الصحف المصرية يتحدث فيها عما يسميه الدولة المدنية التي يجب ان تقوم علي اطلال الدين الحنيف وكأن الاسلام يقوم علي الكهنوت والحرمان والغفران.. ان وزارة الثقافة بؤرة فساد عظيم. لتخريب العقل العربي الاسلامي في مصر. ثم انها تهدر اموالا طائلة توزع علي افراد الحظيرة تحت مسميات الجوائز والتفرغ والمؤتمرات والندوات واللجان والنشر.. الخ! لقد فاز بالجوائز الكبري في الوزارة الفاسدة كتاب سطحيون. لايعرفون غير النميمة السياسية. ومغازلة التمرد الطائفي. ولايملكون موهبة حقيقية ولاخبرة فنية. ولانضجا عقليا واضحا. ووصلت البجاحة بأحدهم وكان رئيسا لمؤتمر ادبي ان يمنح نفسه جائزة المؤتمر وكان مبلغها ضخما. ولم يجد في ذلك حرجا أو غضاضة. مع أن ما فعله كان محل استهجان من المثقفين الحقيقيين. بل من بعض اهل الحظيرة أنفسهم! ان الحظيرة الثقافية من ذيول النظام البائد. وهي أقلية مستبدة اقصائية ويجب القضاء علي احتكارها للثقافة والفكر. وتطهير وزارة الثقافة من افرادها تماما. بل الغاؤها وتحويل ميزانيتها لدعم الجمعيات الادبية والثقافية ونشر التراث وترجمة العلوم الطبيعية والهندسية والكيميائية.