سنوات طويلة سوف تمر قبل أن يتمكن المجتمع المصري من التخلص من السلبيات التي أورثها العهد البائد للشعب المصري.. حالة اللامبالاة والسطحية والأنانية والاعتماد علي الشائعة في نشر المعلومة دون التأكد من صحتها. وأخطر هذه السلبيات الشللية أو مجتمع الثقة في ليس مجتمع الخبرة. في تصوري أن الشللية هي المرض الأخطر الذي أصاب المجتمع المصري خلال سنوات حكم الرئيس المخلوع. حيث لم يكن مهماً أن تكون ذا خبرة أو متفوقاً في عملك بقدر ما هو مهم أن تدور في فلك فلان أو علان عضو مجلس الشعب أو عضو لجنة السياسات أو القيادي الإعلامي الكبير أو رجل الأعمال التابع لشلة نجل الزعيم أو أحد أصفياء الزعيم نفسه! فإذا قدر لك وأسعدك زمانك ووجدت نفسك في دائرة أحد النافذين أو الواصلين للسيد خادم السيد القريب من السيد عضو أو أمين لجنة السياسات - رحمها الله - فمعني ذلك أن طريقك أخضر ومنور ومفروش بالسجاد الأحمر الذي لا تعوقه أي عقبة ولا يقف في طريقه أعظم شنب. فإذا كنت من المرضيّ عنهم ضمن الشلة المتصلة في آخر حلقاتها بالوزير "الفلاني" أو رئيس الاتحاد "العلاني" أو رئيس مجلس الإدارة "الترتاني" فأنت أحد المحظوظين لأنك سوف تصبح بسرعة صاحب سلطة وثروة. ويمكنك بعد أن تكتسب ثقة الكبير أن تصل إلي كسب ثقة "الكبير قوي" فتصبح واحداً من نجوم المجتمع وتبدأ السبوبة حيث تجد نفسك الساعة السادسة علي قناة "شُرم" والسابعة علي قناة "بُرم" والثامنة في ندوة "الهبؤ" تدلي بدرر الكلام وحلو العبارات وتختتم ليلتك بحضور مهرجان "أحلي بوز جزمة في الشرق الأوسط" حيث سيطلب منك باعتبارك أحد الأشراف الذين اقتربوا من جناب حضرة الكبير قوي تسليم جائزة "الورنيش الذهبية" للفنانة أو النجمة الفلانية. وفي كل هذه الاحتفالات والندوات واللقاءات الصحفية والفضائية ستكون مش ملاحق استلام شيكات أو فلوس نقدية. ما إن تنتهي من عدها حتي تأتيك غيرها. ولم لا وأنت من شلة الدكتور عبده سبوبة الذي هو من شلة الوزير زكي الحرامي الذي هو ايضا من شلة السيد أمين لجنة السرقات ابن شيخ البلد وكبيرها وحاميها وحراميها في نفس الوقت.. أما إذا كنت من أهل الخبرة ولا تملك سوي كفاءتك وثقتك بقدراتك المهنية فأمامك أمر من اثنين إما تخرس أو تخرس وغير ذلك فليس مسموحاً لك. هذه الشللية وهذه النظريات مازالت وستستمر وسوف تأخذ وقتاً طويلاً قبل أن يتخلص منها المجتمع. والدليل أن نفس الوجوه التي كانت تصفع وتخزق عيوننا في العهد البائد غيرت البدلة وغيرت البوصلة وبدأت تقول كلاماً عكس الكلام وتقدم نفسها ضمن شهداء الثورة. لكنهم ليسوا أولئك الذين ماتوا رحمهم الله إنهم الذين يعيشون الآن ولديهم القدرة علي الأكل علي كل الموائد. وإذا لم تصدقوني ارجعوا لذلك المعلق الرياضي والإعلامي والصحفي وحارس المرمي وعضو مجلس الشعب ورجل الأعمال والمذيع خفيف الظل. ربنا يجعل كلامنا خفيف عليه. وأنتم تتأكدون من أنه لا فائدة. فالشللية لاتزال موجودة.. المهم يكون له حبيب في السلطة. والأهم أنه استطاع إقناع الناس أنه منهم ومعهم. ولا حول ولا قوة إلا بالله.