منذ خلق الله الإنسان جعل عمارة الأرض مهمته الأولي لكي تستمر الحياة علي ظهر هذا الكوكب الذي زوده الله بكل الامكانيات حتي يستغلها البشر للحصول علي غذائه وكسائه ويتحول هذا الكوكب إلي حركة دائبة تزخر بمختلف الأنشطة العمرانية لكي تتحقق الغاية التي خلق الله الإنسان من أجلها "وهو الذي جعل الأرض ذلولا فامشوا في منكابها وكلوا من رزقه وإليه النشور" 15 سورة تبارك. وقوله سبحانه: "الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الانهار" 32 إبراهيم. إلي غير ذلك من الآيات التي تؤكد أن السعي والعمل لكسب الرزق تكليف من الله لعباده. وقد شاءت ارادة الله أن تكون في الأرض خليفة له وحين قال له الملائكة "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون" انها حكمة رب العالمين لكي تعمر الأرض وهذا الأمر لن يتحقق الا بحركة الإنسان وتنقيبه في هذه الأرض لاستخراج رزقه ليس هذا فحسب وإنما لابد من الاستمرار في هذا الطريق والبحث عن الجديد في كل مناحي الحياة التي تعود بالفائدة علي جميع بني البشر. وقد كانت رسالة الله لعباده تتضمن هذه المهام.. فها هو نبي الله صالح يقول لقومه ما يؤكد ضرورة الالتزام بالسعي والعمل "وإلي ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب" 61 سورة هود وها هو نبي الله هود يقول لقومه "فاتقوا الله واطيعون. واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون. أمدكم بأنعام وبنين. وجنات وعيون" الشعراء. ومضت البشرية في هذا الطريق. فتحولت مناطق متعددة إلي جنات وعيون وزروع طلعها هضيم" كما أن السعي والعمل امتد إلي الجبال فكان النحت في الجبال من الأعمال التي استطاع قوم صالح أن يتخذوا منها بيوتا فارهين وتلك هي من عمل الانسان وجهده لكي ينعم بحياته فوق الأرض. وقد كان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم دائما في مقدمة صفوف العاملين حتي أنه كان في داخل بيته يشارك أهله فكان صلي الله عليه وسلم يتولي مهمة خسف نعله ويخيط ثوبه. وفي حاجة أهله. ولعل الجوانب المشرقة في حياته صلي الله عليه وسلم تكون زرقا صافيا لكل من أراد أن يسند في هذه الحياة. لأن العمل زينة البشر ومنها صور رسول الله صلي الله عليه وسلم كان في رحلة مع أصحابه. وعندما حان وقت الغداء قال أحد الصحابة سوف أحضر الشاة وآخر قال: سلخها مهمتي. وثالث وأنا علي عملية الطهي. وكان الجميع يدرك أن رسول الله هو الذي يجب ان يسعي الجميع لخدمته لكن الرسول رفض وقال لأصحابه: "وأنا علي جمع الحطب" وتحرك نحو المواقع التي يتواجد بها الحطب. ضاربا المثل أن الانسان أيا كان موقعه في هذه الحياة فلا بديل عن السعي والعمل بجد واجتهاد لأن ذلك شرف لا يدانيه شرف آخر. وفي أحد الأيام تقدم رجل نحو رسول الله صلي الله عليه وسلم ومد يده لكي يسلم علي سيد الخلق فلمس بها خشونة نتيجة العمل والاجتهاد في عمارة الأرض فقبلها رسول الله صلي الله عليه وقال: هذه يد يحبها الله ورسوله. ومن قبل ذلك جعل الله سبحانه وتعالي العمل قرين الثواب والجزاء فقال جل وعلا: "ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات" ولم يقل الذين آمنوا واكتفي بالايمان انما جعل العمل هو ركيزة الايمان. لأن من آمن لابد يوقن بأن العمل هو طريق الفلاح والنجاح ولا خير في ايمان بلا عمل. وفي الأثر أن رسول الله دخل المسجد فوجد رجلا يتعبد فسأله عمن يكتسب له قوته فقال الرجل: ان أخي يتولي القيام بهذه المهمة فقال له: ان أخاك أعبد منك" وقال صلي الله عليه وسلم ان من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا السعي في طلب الرزق. وقد نهي الاسلام عن التقاعس في العمل والتهرب من أداء الواجب واعتبر ذلك جريمة فاعلها آثم عند الله لأنه امتنع عن أداء مهمة لا سبيل للحياة بدونها وأن هذا التنصل من تلك المسئولية عمل يغضب الله سبحانه وتعالي. خاصة ان البعض يتواكل ويرتكن علي الآخرين في الحصول علي احتياجاته. وأن ادعاء الايمان بعيدا عن العمل مهمة الفاشلين. وكم من بني البشر يلجأ إلي السطو علي جهود الآخرين ويحصل علي أموال لا حق له فيها كما نشاهد هذه الأيام عن أعمال البلطجة ونهب الأموال والممتلكات في ظل غياب الأمن عقب الأحداث الأخيرة التي تواكبت مع ثورة الشباب في 25 يناير. الحرام أصبح حلالا في نظر هؤلاء. وفي كل يوم نسمع مئات القصص والحكايات لعل أغربها أن الجار تسلل إلي منزل جاره في إحدي القري واستولي علي كميات من بعض الأشياء في حركة بهلوانية وعندما ضبطه أصحاب المنزل ومنعوه من الخروج بهذه المسروقات فما كان منه الا ان أخرج سلاحا وأطلق أعيرة نارية فأصاب جاره صاحب المنزل في قدمه وتمكن من الهرب وسط ذهول أهل القرية بسبب هذا التصرف الغريب حيث لم يتوقع أحد أن يجري ارتكاب سرقة بهذا الأسلوب رغما عن جيرانه. والأكثر غرابة أن هذا المتهم فور هروبه استدعي بعض أصدقائه وتوجهوا إلي منزل الضحية وأخذوا يطلقون الرصاص فأصابوا أفراداً من أبناء هذه العائلة. فهل هي المهمة التي كلف الله بها عباده. في عمارة الأرض. وهناك الكثير من تلك الجرائم التي وقعت فها هو لص طرق باب أحد المنازل زاعما انه كشاف النور وعندما فتحت ربة المنزل اذا بها تفاجأ برجل يدفعها بعيدا لكي تدخل سيدة منتقبة وفي يديها آلة حادة وتتوجه للطفل الصغير الذي كان يقف بجوار أمه فتمسك به وتضع الآلة الحادة علي رقبته تهدد الأم بذبحه ان لم تخرج ما لديها هي وزوجها من ذهب ونقود وأمتعة وما يسهل حمله. ولم تجد ربة المنزل المسكينة حيلة سوي ان تحضر كل ما لديها من مجوهرات ونقود وتقدمه لهما لكي تفتدي طفلها ثم هرب الاثنان. جرائم وأعمال تتنافي مع قيم الاسلام وأبسط الأعراف الانسانية. ولاشك ان هذه الأعمال جعل الله عقوبتها قطع يد السارق لردع كل من تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجريمة. وقطع اليد يخضع لضوابط صارمة حد وشرع الله وأفاض العلماء في شرحها وتوضيحها للناس. وهذه العقوبة فرضها رب العالمين الذي خلق البشر وهو أعلم بما يصلهم والعلاج المناسب لكل من يسطو علي جهود الآخرين. وذلك لكي تستقر حركة المجتمع وتنمو الحياة وتزدهر. فلا مكان للمتقاعسين والبلطجية ومحترفي الكسب الحرام والارتكان علي جهود الآخرين. كما أن رب العالمين جعل عقوبة السرقة بالاكراه من أعمال الجريمة التي يجب ان يتم تطبيقها بكل دقة لكي يتم الضرب علي أيدي هؤلاء العابثين بأمن المجتمعات والساعين لتخريبها يقول الله في سورة المائدة "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وارجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم" 33 المائدة. ليتنا جميعا ندرك قيمة العمل ومدي أهميته ولا يجب ان يرتكن انسان علي عمل الآخر ولا يتهرب من المسئولية تحت أي عذر من الاعذار وليدرك أن الله يراقبه وجزاء ربنا الانتقام في الدنيا والعذاب في الآخرة فالعمل لا بديل عنه لأي انسان لأن فيه السعادة والحياة الهادئة والنعيم والتمتع بخيرات الله ويكفي هؤلاء العاملون المجتهودن شرفا قول الله تعالي: "من عمل صالح من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعلمون" 97 سورة النحل.. والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم.