نحن في مصر نعيش ثقافة اللحظة.. ولا نهتم كثيراً بالمستقبل إلا فيما ندر .. تنفجر أزمة الخبز مثلاً وما أكثر ما انفجرت فيهرول المسئولون لعلاج الأزمة وتنهال الإجراءات مصحوبة بالتصريحات لتخمد بعد فترة ثم تعود بعد ذلك. نفس الوضع ينطبق علي أزمات كثيرة .. أزمة اللحوم .. أزمة استيراد الأقماح .. أزمة المياه مياه الشرب ومياه الري أزمة أسمنت وحديد التسليح .. ناهيك عن أزمة إسكان مستحكمة تمسك بخناقنا منذ عشرات السنين ولا نستطيع الفكاك منها رغم الحديث كثيراً عن مشروعات مساكن الشباب وابني بيتك وغيرها. قليلاً أو نادراً ما نفكر في المستقبل .. لا مانع ان نحل مشاكل الحاضر فهذا أمر ضروري .. لكن ما المانع ان نهتم بالمستقبل وننظر إليه نظرة جادة .. ولا نتعامل معه بلا مبالاة.. فالتخطيط للمستقبل يمنع أزمات تماثل الأزمات التي نعيشها حالياً. والغريب أن لدينا من العلماء المفكرين من يساهم بفكره وعلمه في التخطيط لما بعد اليوم والغد .. ولكننا للأسف الشديد نتعامل مع هذه الأفكار باستهتار شديد!!.. لماذا؟! لا نعرف!!.. هل هي عقدة تصيبنا دائماً فنسخر من الآخرين ونسفه أفكارهم .. أو علي الأقل نهمل هذه الأفكار ونضعها في صندوق القمامة. العالم الكبير فاروق الباز أطلق صيحة تحذير مدوية خوفاً علي مستقبل الأراضي الزراعية في مصر .. ومع خطورة هذا التحذير فأنا متأكد تماماً أن هذه الصرخة ستذهب أدراج الرياح ولن يلتفت إليها أحد أو يعيرها أي انتباه!! ماذا قال العالم الكبير فاروق الباز؟! لقد حذر من اختفاء خمسة ملايين ونصف مليون فدان من أراضينا الزراعية حول الوادي والدلتا بسبب البناء عليها متوقعاً أن يتم ذلك خلال 133 سنة إذا استمر هذا الوضع دون تدخل!! لو عرضنا هذه المعلومة أو الحقيقة علي أحد المسئولين الآن فماذا سيكون الرد؟! بالقطع سيقول: "يا هنا مين يعيش؟ ساعتها يكون لها حلال" بل سوف يسخر منك ويقول: "حد عارف إيه اللي حيحصل بكره؟! اتوكل علي الله يا عم"!! وهكذا نحن ننظر دائماً إلي الأمور المستقبلية نظرة قاصرة .. فنحن كما قلنا نعيش ثقافة اللحظة .. وهذه النظرة إذا ظلت سائدة سيكون المستقبل مظلماً. الدكتور فاروق الباز أعاد للذاكرة في تصريحه ل "الجمهورية" مشروع ممر التعمير الذي قدمه لبلده بناء علي دراسة علمية والذي من شأنه أن يحل مشكلة التكدس السكاني في الدلتا وعلي جانبي الوادي .. ويحافظ علي أرضنا الزراعية .. بل ويضيف إليها. ورغم أ المشروع يتكلف 23 مليار جنيه فقط وينفذ في عشر سنوات فإن أحداً لا يعيره أي اهتمام!! لماذا؟! لأنني سأكرر أننا نعيش ثقافة اللحظة ومصابون بمرض قصر النظر فلا ننظر إلا تحت أقدامنا!!