عندما صدر القانون رقم 5 لسنة 2010 والذي ينظم نقل وزراعة الأعضاء البشرية.. هلل الكثيرون لهذا القانون واعتبروه انتصاراً كبيراً لصالح المرضي الذين يعانون من حالات خطيرة.. بينما أبدي البعض اعتراضه عليه باعتبار أنه مخالف للشريعة. ورغم إجراء مثل هذه العمليات في الخارج.. إلا أن الجدل لايزال مستمراً في أمريكا والدنمارك وغيرهما من الدول الغربية حول الجوانب الأخلاقية لنقل الأعضاء. خصوصاً إذا كان النقل ممن يطلق عليهم موتي المخ أو موتي جذع المخ! وقد ثبت علمياً.. أن موت المخ أو جذع المخ لا يعني بالضرورة موت صاحبه. ومع ذلك هناك كثير من العلماء في الغرب يدافعون عن انتزاع الأعضاء. خصوصاً الأعضاء المهمة والحيوية من مرضي وفاة جذع المخ ونقلها إلي المريض الذي يحتاج للزرع!! ويقول هؤلاء.. إن الموت مسألة غير مهمة.. وهو لا يمثل مصدر خوف.. لأنه عندما يوجد الموت لا يصبح للإنسان وجود.. وإذا كان الإنسان حياً فلا وجود للموت!! ويشيرون إلي أن القضية لا تتمثل فيما إذا كان المصاب بتلف شديد في المخ قد مات أم لا.. ولا في موعد إعلان وفاته.. وإنما المهم هو موافقته أوموافقة من ينوب عنه علي التبرع. ما دامت حالة المتبرع ميئوساً منها ولا أمل في شفائه.. كما أن عملية النقل لا ينتج عنها ألم أو معاناة.. فالمهم هو تحقيق رغبته المتبرع ونجاح عملية الزرع!! ويقولون: إن هناك مفارقة غريبة وهي أن الأطباء والأقارب هم الذين يلحقون الضرر بالمتبرع المصاب في مخه. عندما لا يسمحون بإجراء عملية التبرع والنقل حيث إنهم يحولون دون تحقيق رغبتة.. أو إذا تم الانتظار حتي يموت أولاً. حيث إن أعضاءه تصبح غير صالحة للتبرع بها. ويطالب هؤلاء بمقاومة وجهة النظر القائلة إن المتبرع لا يفقد الإحساس بالألم إلا بعد وفاته.. وأنه يتألم إذا تم انتزاع العضو منه قبل ذلك!! ويدعي الأطباء الذين يقومون بعمليات نقل الأعضاء.. أن عملية النقل لا تتم إلا بعد أن يتأكدوا من وفاة المصاب.. لكن الواقع ينفي هذا الادعاء! الأكثر مدعاة للذهول والحيرة.. أن هناك بعض المختصين في أخلاقيات الطب يجادلون بأن القتل ليس خطأ من الناحية الأخلاقية. وفي مقدمة هؤلاء د.والتر أرمسترونج أستاذ الأخلاقيات الحيوية بجامعة ديوك الأمريكية وفرانكلين ميللر بمعهد الصحة الوطني بالولايات المتحدة. ويقول هؤلاء: إن القتل في حد ذاته ليس خطأ أخلاقياً.. أما الخطأ الحقيقي من الناحية الأخلاقية فهو ترك إنسان علي قيد الحياة وهو في حالة عجز كامل!! وهدف هؤلاء الأطباء الذين يبيحون "القتل" هو السماح بنقل الأعضاء من الذين توقفت قلوبهم عن النبض وهم عادة المصابون بتلف في المخ. ولكن الجسم لا يقوم بوظائفه إلا بمساعدة جهاز التنفس الصناعي.. وخلال دقائق من سحب الجهاز يتم نزع الأعضاء المراد نقلها! ومع ذلك يقر هؤلاء صراحة بأن المريض عند هذه المرحلة لا يكون قد فارق الحياة. لأنه من الممكن أن يعود قلبه للنبض من جديد!! ويعترف بعض أساتذة الأخلاقيات الحيوية بأن القول باتباع قاعدة موت المريض هي مجرد هراء فهذه القاعدة يتم انتهاكها في الممارسة العملية عند نقل أي عضو مهم وحيوي.. كما أن الأخلاقيات الطبية ينبغي أن تقضي بتسهيل هذا النوع من نقل الأعضاء في أسرع وقت. ومن وجهة نظر أخلاقية فإن الالتزام بالأخلاقيات الطبية التقليدية سوف يصبح أمراً غير منطقي بالغ الضرر. باعتبار أن المرضي الذين يمكن إنقاذهم سوف يموتون!! ويسعي أولئك "الأساتذة" إلي تفادي ذلك بالتنازل عن المعايير المناهضة للقتل "!!" وهذا الاتجاه المتطرف من جانبهم قد يصدم بعض القراء.. مع ذلك فهما يريدان التوصل إلي تحديد أدق لمعني القتل.. "فإعاقة شخص ما بالكامل أو تركه عاجزاً طوال حياته ليس أقل سوءاً من القتل".. وهكذا يجادلون بأن قتل المرضي المصابين بعجز كامل لا يضرهم!! ويبررون ذلك بقولهم: إن الحياة ليست أمراً مقدساً. فالفارق الجوهري بين الحياة والموت هوالتمتع بالقدرة علي ممارسة الحياة.. وموتي جذع المخ فقدوا هذه القدرة.. وإذا كان القتل يمثل خطأ لمجرد أنك تتسبب فيه. فهذا المبدأ ينطبق وبنفس القدر علي إزالة الحشائش من التربة.. فإذا كان من الجائز أن تزيل الحشائش وهي كائنات حية من التربة فمعني هذا أن الحياة في حد ذاتها ليست مقدسة.. وأن القتل ليس خطأ من الناحية الأخلاقية!! أما من يعارضون هذه التوجهات.. فيشيرون إلي كثير من الحالات التي أصيب أصحابها بموت جذع المخ. ومع ذلك لاتزال أجهزة الجسم لديهم تعمل بشكل متكامل.. حيث تقوم أجسادهم بامتصاص العناصر الغذائية وتقاوم الأمراض المعدية وتحتفظ باستقرارها وثبات درجة حرارتها ونمو الأجنة فيها ودخول مرحلة المراهقة وظهور علاماتها عليهم. إحدي الحالات المذهلة كانت لطفل في الرابعة من عمره وعاش حتي بلغ 24 عاماً.. وقاوم الأمراض الخطيرة وتجاوز مرحلة المراهقة قبل أن يصاب بالتهاب رئوي.. وأثبت التشريح بعد وفاته أن مخه قد أصيب بالتحجر ولم يكن به أية خلايا عصبية علي الاطلاق.. ومعني هذا أن موت المخ لا يعني وفاة صاحبه. لكنه موت عضو واحد فقط من جسمه.. والأخلاقيات تفرض علينا علاج أمثال هؤلاء المرضي كبشر علي قيد الحياة! وهناك حالة أخري في الدنمارك لفتاة عمرها 19 عاماً. تعرضت لحادث سيارة.. حيث قال الأطباء إن مخها قد توقف عن العمل وحصلوا علي موافقة أسرتها للتبرع بأعضائها.. وعند سحب جهاز التنفس الصناعي منها فوجئ بها الجميع وهي علي قيد الحياة.. الأمر الذي أثار ضجة عارمة لدي الرأي العام وكان ذلك في أكتوبر الماضي! إذن. ماذا يريد الأطباء؟! وهل نعيد النظر في قانون نقل الأعضاء؟! ** أفكار مضغوطة: نحن لا نتقبل النصيحة.. لأنها غالباً ما تأتينا بلا ثمن..!! "برنارد شو"