المفترض أن أغلب أحداث فيلم "الوتر" تدور في الإسكندرية وكذلك فيلم "شوق" أو "Lust" حسب التسمية الانجليزية ومعناها "شهوة" أو "شيقة" إشارة إلي رغبة جنسية مفرطة. وأعتقد أن المخرج يلعب علي العينين. فهناك شوق حسي جارف لدي الشقيقتين اللتين ارتكبتا جريمة الزني بدافع "الرغبة" و"الشهوة" أو الانتقام ربما من الواقع البائس الذي جعلهما يسطوان علي "جوال" النقود التي جمعتها الأم من التسول في مدينة القاهرة. والمصادفة غير المقصودة بالتأكيد أننا ازاء شقيقتين في فيلم "الشوق" يفصل بينهما محيط أكبر من البحر المتوسط يفصلهما عن الشقيقتين في فيلم "الوتر" ومحيط بنفس الاتساع بين البيئة "الشيك" اجتماعياً وثقافياً في الفيلم الثاني. وبين الفقر شديد الانحطاط والقسوة في الفيلم الأول.. وبين صورة الأم التي ترتدي البالطو "الفرير" والساعة الذهبية الأثرية "antique) في صدرها وبين تلك الأم التي تضع الطرحة السوداء الكئيبة وتمارس الدجل في الحارة ممتهنة التسول ثم تقيم بجوار متسولة أخري علي رصيف بجوار محطة القطار في القاهرة.. فارق بين أختين تعزفان الكمان والتشيللو. وأختين يردحان ويصرخان ويولولان في الحارة البليدة. في البيت المظلم قبل أن يهربا إلي شاطئ البحر ومعهما الغنيمة التي كنزتها أمهما من عائد التسول. الأم ذات البالطو "الفرير" زوجة المايسترو المشهور. والأم الدجالة الشحاتة زوجة الإسكافي التي تخبط رأسها في الجدار الصلب حتي ينشق وتنزف حتي الموت. هذه الأم تؤدي دورها في الحالتين الممثلة الممتازة سوسن بدر. وهي في الحالتين بعيدة عن المصداقية وفي الحالتين غير مقنعة ولو فكرنا في قوامها الإنساني سنجدها منفرة حتي لو حصلت علي جائزة أفضل ممثلة! والشقيقتان في الفيلم الأول "الوتر" والثاني "الشوق" يفتقدان في الفيلم الدوافع والمشاعر المبررة التي تحولهم إلي شخصيات من لحم ودم وروح مصرية يمكن تمثيلها أو التعاطف معها.. والجميع مصابون فنياً بانعدام التوازن والاعوجاج النفسي والخلل السلوكي ومن دون سياق درامي موضوعي مقنع. الشقيقتان في "الوتر" رغم حالة الغيرة الشديدة والتنافس بينهما يتحدان في جريمة القتل ويستخدمان وتر الآلة الموسيقية التي تعزف ألحان رقيقة وحساسة إلي وسيلة للقتل والتخلص من شاب خدعهما وغرر بهما وفي "الشوق" يبيعان جسديهما لمن يدفع الثمن ثم يتركان الأب ضائعاً جائعاً. الإسكندرية في العملين ليست المدينة التي نعرفها لا الحارة التي صورها "الشوق" في الحي الشعبي وهي الحارة مسلوبة الروح والعافية ولا الفيلا الأنيقة في العجمي التي شهدت جريمة قتل الموسيقار الشاب وشهدت غرامياته التي أودتپبه إلي هذه النهاية الغريبة.. لا خالد الحجر ولا مجدي الهواري اقتربا من جوهر المأزق الإنساني لشخصيات الحبكة. هناك "إسراف" مخل في بعث المكان في كلا الفيلمين. إسراف في التغريب وفي الإدعاء وفي افتعال الأحداث وظروف الواقع التي أتي بأناسه. "الإسكندرية" كانت وسوف تظل "موطناً" لأفلام مهمة في تاريخ السينما ولكنها كمدينة تطرح تحدياً أمام صناع الفيلم. لأنها كائن حي غني متعدد الزوايا والوجوه. أصيل ضارب الجذور. فريد الجمال ومتنوع.. وقليلة تلك الأفلام التي استطاع صانعوها أن يبعثوا جانباً من روحها وتفردها ولعل "رسائل البحر" يدخل ضمن هذه الأعمال أو ربما "ميكروفون" أيضاً الذي احتاج إلي مشاهدة ثانية متأنية للكلام عنه.