التحرش الجنسي ظاهرة مؤسفة . تنامي الحديث عنها في السنوات الأخيرة . ما دفع البعض للمناداة بتشديد العقوبات ضد المتحرشين وهو ما وجد صداه أخيرا في مشروع قانون التحرش الجنسي الجديد الذي أقره مجلس الوزراء تمهيداً لإرساله لمجلس الشوري لمناقشته وإقراره. يساوي مشروع القانون الجديد - بحسب أعضاء بالمجلس القومي للمرأة ورجال قانون وجمعيات أهلية - بين الرجل والمرأة يسبغ مزيداً من الحماية علي الأطفال ضد جرائم العنف الجنسي .. لكن بعض الأصوات بجمعيات حماية حقوق المرأة تنادي بوضع عقوبات مدينة رادعة تخدم المجتمع وتحقق الردع للجاني في الوقت ذاته بدلاً من الحبس والغرامة في جرائم التحرش اللفظي أو التتبع والملاحقة عبر الهاتف أو الانترنت. وقد ذهب بعض رجال القانون إلي أن المادة 290 مكرر تقيد القاضي في تخفيف العقوبة علي المتحرش طبقا لأحكام المادة 17 وعدم استبدال العقوبة بأقل منها إلا بعد أن يبين أسباب تبديل العقوبة وتحت رقابة محكمة النقض رغبة في تشديد العقوبة علي المتحرشين .. ويبقي السؤال : هل تكفي العقوبات وحدها لاجتثات التحرش الجنسي من مجتمعنا أم أن الأمر يلزم توعية وجهد مجتمعي وإيقاظ الضمائر قبل تسليط سيف القانون .. " المساء" طرحت مشروع القانون علي خبراء القانون في التحقيق التالي: تقول دنيا حسين " ناشطة حقوقية وعضو المجلس القومي للمرأة": أهم ما يميز قانون حماية المجتمع من العنف الجنسي توفيره حماية خاصة للأطفال . والتعرض لجميع أنواع العنف الجنسي حيث تعاقب المادة 269 من مشروع القانون كل من اعتدي جنسيا علي طفل ذكر أو أنثي لم يبلغ ست سنوات بالسجن المشدد دون الاعتداد برضاء المجني عليه من عدمه. أضافت دينا : من أسباب انتشار التحرش الجنسي تدني أخلاق الشباب في المجتمع المصري . واختفاء شهامة أبناء البلد . وقد شدد مشروع القانون عقوبة التحرش بأفعال التتبع أو الملاحقة أو غيرهما بألفاظ مباشرة أو غير مباشرة . جنسية أو خادشة للحياء أو عبر الهاتف أو الإنترنت أو ما يستجد من وسائل إلي الحبس مدة لاتتجاوز سنة وغرامة لاتقل عن خمسمائة جنيه ولاتتجاوز 5 آلاف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين . ولا يمكن استغلال قانون التحرش من جانب الأنثي لتهديد الرجل والادعاء بقيامه بالتحرش لمجرد ابتزازه أو مساومته لأن القضاء والنيابة سوف يعتمد ان علي قرائن وأدلة وشهود قبل الحكم علي المتحرش ولن تقدم أي فتاة علي التشهير بسمعتها في أقسام الشرطة لمجرد تهديد الرجال أو ابتزازهم. قضية مركبة توضح الدكتورة ليلي عبدالمجيد عميد كلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية .. أن التحرش الجنسي قضية " مركبة" لن يقضي عليها مجرد صدور قانون لحماية المجتمع من العنف الجنسي. وحتي يقضي المجتمع المصري علي ظاهرة التحرش الجنسي ولابد من تعاون وزارة التربية والتعليم ووسائل الاعلام ومنظمات المجتمع المدني والأسرة في نبذ ظاهرة التحرش الجنسي ولابد من الوصول لأسباب التحرش الجنسي ومعالجة جذور المشكلة ومصر ليست الدولة الوحيدة التي تعاني من التحرش الجنسي وهناك 26 دولة نظمت وقفات احتجاجية لمواجهة التحرش بالنساء بالتزامن مع مظاهرات النساء ضد التحرش في مصر مما يؤكد أن الظاهره لاتخص المجتمع المصري وحده. أضافت عبدالمجيد إن تشديد العقوبات في مشروع القانون الجديد قد يساعد علي محاصرة الظاهرة خاصة الماده "267" من مشروع القانون والتي تعاقب المتحرش بالسجن المؤبد إذا كان من أصول المجني عليه أو المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه أو كان خادماً بالأجرة عنده أو كان المجني عليه " الضحية" طفلاً من ذوي الإعاقة الذهنية أو البدنية. أكدت أن ما يحدث من تحرش سياسي بالمتظاهرات وتعرية أجسادهن أسلوب حقير يهدف لتخويفهن وإرهابهن حتي لايشاركن في المظاهرات للتعبير عن آرائهن لمجرد إخرا سهن . ولذلك فإن النساء سوف ينزلن للمظاهرات أكثر من ذي قبل لمجرد تحدي قوي سياسية تدعي التدين وتترك الفتيات لبلطجية مأجورين يعتدون علي أعراضهن لإسكات أصوات المعارضة لنظام الحكم. تشير نهاد أبو القمصان " رئيس المركز المصري لحقوق المرأة وعضو المكتب الاستشاري الدولي للأمم المتحدة للمرأة" إلي أنه رغم وجود عقوبات مشددة في مواد مشروع قانون حماية المجتمع من العنف الجنسي فإن العقوبة الرادعة هي التي تنفذ وليست المشددة والماده " 268" تنص علي معاقبة كل من اعتدي جنسياً علي شخص بالسجن المشدد مدة لاتقل عن ثلاث سنوات ولاتزيد علي سبع سنوات ويعتبر الاعتداء الجنسي كل فعل مخل بالحياء يستطيل إلي جسم المجني عليه وعوراته ولايصل إلي حد الاغتصاب يمارس علي شخص بغير رضاه ورغم تشديد العقوبات فإن القاضي من حقه استخدام المادة "17" من قانون العقوبات وتبديل العقوبة وهنا لابد من هيئة المحكمة أن تبين أسباب النزول بالعقوبة وتبديلها تحت رقابة محكمة النقض حتي تكون هناك أسباب حقيقية لتخفيف العقوبة. أكدت أبو القمصان أن للمركز المصري لحقوق المرأة تحفظات علي العقوبات التي تتراوح بين السجن والغرامة . وتساءلت : لماذا لايتم وضع نصوص لعقوبات مدنية رادعة تخدم المجتمع مثل تنظيف الشوارع أو التشجير أو الخدمة في أقسام الشرطة أو سحب رخصة القيادة من المتحرش لمدة محددة . فالعقوبات المدنية تخدم المجتمع أكثر من الحبس وتشعر المتهم بمدي فداحة الجريمة التي ارتكبها. تقول سناء مصطفي جلبانة " مقرر اللجنة الإقليمية للأمومة والطفولة بالمجلس القومي للمرأة بمحافظة شمال سيناء ورئيس جمعية الهلال الأحمر" إلي أن التحرش الجنسي وصل إلي شمال سيناء رغم أن المجالس العرفية هي التي تصدر عقوبات وقرارات ر ادعة ولها قوة واحترام في جميع العائلات في ظل وجود ضعيف للشرطة . وعدم تدخلها في المشاكل بين العائلات . وكان معروفا في السابق لدي عائلات شمال سيناء قانون العيب وعدم التعرض للحرمات . والمقصود بها الحريم. تشديد العقوبات أضافت جلبانة إنه لابد من تشديد العقوبات في مشروع قانون التحرش في ظل الانفلات الأمني وانهيار القيم الأخلاقية وعدم تخفيف العقوبات طبقا لما جاء في المادة "17" من قانون العقوبات وأفضل ما في نصوص مشروع قانون التحرش هو المادة " 267" التي تفصل بين العنف الجنسي وجرائم الزني والفعل الفاضح وتعديل المصطلحات واستخدام مصطلحات مناسبة للجرائم كالاعتداء الجنسي والاغتصاب والتحرش الجنسي في نصوص القانون الجديد . مع وضع تعريفات محددة لجرائم العنف الجنسي لتوضيح الفرق بين الجرائم وبعضها البعض وتوفير الحماية الخاصة للأطفال ومايتهم من الاعتدء الجنسي سواء كان المجني عليه ذكراً أم أنثي ووضع مفاهيم واضحة ومحددة لجرائم التحرش الجنسي لحماية المواطنين من العنف الجنسي. يؤكد المستشار مصطفي جاويش رئيس محكمة جنايات بنها أن المادة "290" مكرر في مشروع قانون التحرش الجنسي تقيد حق القاضي في تطبيق أحكام المادة "17" في الجنايات المنصوص عليها في المواد 267 و 267 مكرر و268 و269 و289 و290 حيث يتم تخفيف العقوبة ولكن يجب علي المحكمة أن تبين في الحكم أسباب تبديل العقوبة تحت رقابة محكمة النقض وسوف تساعد هذه المادة في تشديد العقوبة علي المتحرش وتضع قيوداً علي تخفيف العقوبات واستعمال الرأفة مع المتحرش ومحكمة النقض هي أعلي سلطة قضائية تحاكم الحكم وتراقب قيام القاضي تبطبيق الناحية القانونية فقط وهل قام القاضي بتطبيق صحيح القانون أم لا ولا صالح لمحكمة النقض بموضوع الدعوي واطمئنان القاضي لموضوع الدعوي وارتكاب الجاني الجريمة. أضاف : تم استحداث الماده " 290" مكرر بهدف إقرار عقوبات متناسبة مع الأفعال المجرمة وأن يتاح للقاضي النزول بالعقوبة لدرجة واحدة فقط وأن يخصع هذا التخفيف في الحكم لرقابة محكمة النقض والهدف من هذه الماده تقييد سلطة القاضي في استخدام المادة " 17" من قانون العقوبات عند الاعتداء الجنسي والخطف. أكد جاويش أن انتشار التحرش الجنسي ليس له علاقه بضعف الوجود الأمني وانهيار جهاز الشرطة بعد الثورة وإنما المشكلة لها جذور اجتماعية واقتصادية لعدم قدرة الشباب علي الزواج وتوفير مسكن وتأسيس عشي الزوجية مع تقدم وسائل الاتصالات والإنترنت وتقديم الفضائيات لنماذج من الانحلال الأخلاقي بالدول المتقدمة ويجب أن نفرق بين التحرش اللفظي والتحرش المادي الذي تتعرض فيه الضحية لاعتداء بدني. يقول عز الدين أحمد فرغلي رئيس الاتحاد الإقليمي للجمعيات الأهلية بالقاهرة إن القضاء علي التحرش لن يكون بتشديد العقوبات في القانون الجديد وإنما لابد من قيام المدارس والجامعات ودور العبادة بدورها في زرع القيم وتوعية الشباب بالمبادئ والأخلاق الحميدة والجمعيات الاهلية تعقد حالياً سلسلة من الندوات بمقر الاتحاد الإقليمي بالقاهرة لمواجهة ظاهرة التحرش التي تسئ للمجتمع المصري وتضر بالسياحة خاصة في مواسم الأعياد المصرية وتكرار حالات التحرش بالسائحين في المناطق الأثرية رغم وجود شرطة السياحة والأثار بتلك المناطق. أضاف : الجمعيات الأهلية ترفض التحرش السياسي الذي يقوم به البلطجية والمأجورون لإجبار المرأة علي عدم مشاركة الرجال في المظاهرات وقهرها وتخويفها والتحرش السياسي من أخطر أنواع التحرش لأنه يتصف بالعنف وتعرية جسد المرأة لإهانتها مما يسبب خللاً إجتماعياً ويحقق أهداف أحزاب سياسية ترفض الوقفات الاحتجاجية المعارضة للحزب الحاكم ولابد من تشديد العقوبات علي التحرش بجميع أنواعه مع تناسب العقوبة مع الأفعال المجرفة. خسارة المرأة المصرية أما جورجيت قليني عضو مجلس الشعب سابقاَ" فتقول إن المرأة المصرية خسرت كثيراً من مكانتها بعد ثورة 25 يناير بدءاً من تمثيلها البرلماني الهزيل الذي لم يتعد 2% من البرلمان المنحل وصولاً إلي ازدياد حالات تعرضها للتحرش الجنسي سواء في المظاهرات والوقفات الإحتجاجية أو بسبب الانفلات الأمني وغياب الشرطة وقانون التحرش الجنسي الذي تقدمت به 23 منظمة حقوقية لمنع جرائم العنف الجنسي في الشوارع المصرية ورغم تأخر صدوره فإن تشديد العقوبات في نصوص مشروع القانون الجديد سيكون له أثر في تقليل حالات التحرش الجنسي خاصة أن القانون الحالي كان يميز بين الرجل والمرأة في قانون الاغتصاب والمواد الخاصة بالاغتصاب والخطف المقترن بالاغتصاب. أضافت إن مشروع القانون الجديد سوف يواجه تكرار حالات الخطف بالإكراه أو التحايل بالسجن المشدد مدة لاتقل عن ثلاث سنوات ولاتزيد علي عشر سنوات. يقول اللواء جمال أبو ذكري مدير أمن السويس سابقاً إن مشكلة التحرش الجنسي ليست أمنية بدليل عدم وجود أي حالات تحرش طوال الأيام الأولي لثورة 25 يناير والتي انسحبت بعدها الشرطة من ميدان التحرير ومع ذلك لم تكن هناك حالات تحرش ضد الفتيات اللاتي شاركت شباب الثورة في الاعتصامات والمسيرات. أضاف إن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والبطالة أدت لانهيار القيم الأخلاقية لدي الشباب الذين اتجهوا إلي التحرش الجنسي كنوع من تفريغ الكبت الجنسي بسبب عدم مقدرتهم علي الزواج تأسيس حياة مستقرة وتوفير مسكن للزواج. أكد أبو ذكري أن تشديد العقوبات في مشروع قانون التحرش الجنسي سوف يؤدي إلي تقليل حالات التعدي علي المرأة سواء التحرش اللفظي أو البدني مع تقليل حالات الخطف بالإكراه والاعتداء الجنسي علي الأطفال دون 18 عاما وضرورة تشديد العقوبة في حالة الاغتصاب.