دعا الرئيس الدكتور محمد مرسي الشعب المصري إلي الاستفتاء علي الدستور الجديد الذي انتهت من إعداده الجمعية التأسيسية للدستور ليكون يوم السبت الموافق 15 ديسمبر الجاري.. وذلك خلال احتفالية بقاعة المؤتمرات بمدينة نصر أمام أعضاء الجمعية برئاسة المستشار حسام الغرياني وفي حضور الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء والفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع والدكتور أسامة ياسين وزير الشباب وعدد كبير من القيادات السياسية. أكد مرسي في كلمة له أثناء المؤتمر أن المصريين اليوم أمام لحظة كبري وتجربة فريدة بعد كتابة دستور ما بعد الثورة. داعياً جموع المصريين بألا ينسوا تضحيات الشهداء ومن اصيبوا خلال الثورة وأهلهم وذويهم. شدد علي أن الدستور الجديد يعبر عن أهداف الثورة ويؤسس لنظام ديمقراطي. وأنه يقلص صلاحيات الرئيس ويجعل الكرامة حقاً لكل من يقيم علي أرض مصر ولو لم يكن مصرياً. وفيما يلي نص كلمة الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية التي ألقاها أمام أعضاء الجمعية التأسيسية عقب تسلمه رسمياً المسودة النهائية للدستور المصري الجديد أمس "السبت". بسم الله الرحمن الرحيم.. وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون. إنه في هذا اليوم العظيم في هذا الوطن الكبير مصر. وفي هذا اليوم الأغر من واقع مصرنا الحبيبة.. يسطر فيه الشعب المصري العظيم صفحة ناصعة جديدة في تاريخ حضارته وكتابة مجده بعد ثورته الكبيرة ثورة 25 يناير. إن المتتبع لمسار مصر الدستوري العريق الذي بدأ منذ ما يزيد علي 175 عاماً منذ أن أصدر محمد علي أول وثيقة شبه دستورية يجد أن كفاح المصريين استمر من أجل الوصول إلي نظام دستوري مستقر يحقق الديمقراطية والعدل والكرامة الإنسانية. دوماً كانت أهم تلك اللحظات الدستورية تأتي في سياق ثورات شعبية ملهمة وموحية ونحن أمام هذه اللحظة الجديدة الكبري بعد ثورة يناير المجيدة التي لا تقتصر عظمتها علي مصر وشعبها. ولكن تمتد تجربتها الفريدة بين شعوب العالم أجمع جغرافياً وتاريخياً وحضارياً. إذا كنا نخطو اليوم خطوة جديدة أخري في مجال استكمال الثورة. فلا يمكن لنا أن ننسي أبداً تضحيات شهدائنا الأبرار وكذلك مصابي هذه الثورة العظيمة وذويهم أيضا.. هؤلاء الشهداء الذين لولا دماؤهم الذكية ما كنا لنصل إلي هذا المشهد المهيب الذي نحياه الآن. ورغم صعوبة المرحلة الانتقالية التي أوشكت علي الانتهاء. إلا أن إصرار المصريين علي إنفاذ إرادتهم ظل هو العنوان الأبرز وقاموا جميعاً ليرسموا ملامح هذه المرحلة ابتداء من الخامس والعشرين من يناير بداية الثورة ومروراً باستفتاء 19 مارس عام 2011 ومروراً بالانتخابات البرلمانية بمراحلها المختلفة والانتخابات الرئاسية بجولتيها ليؤكدوا إصرارهم علي إنجاح ثورتهم.. المصريون مصّرون علي المضي قدماً إلي الأمام للوصول إلي أهداف هذه الثورة المجيدة. إن هذه الجمعية التي وضعت هذا المشروع هي أول هيئة تأسيسية مصرية منتخبة طوال التاريخ الحديث. حيث إن لجان وضع الدساتير السابقة في تاريخنا كانت معينة سواء كانت ملكية أو رئاسية. فلم يكن في تاريخنا لجنة منتخبة وضعت مشروعاً لدساتير سابقة وهو أمر له دلالة كبيرة. حيث تم اختياركم في ثلاث محطات ديمقراطية.. الأولي عبر الاستفتاء الذي جري في مارس عام 2011 والذي حدد طريقة تشكيل هذه الجمعية. الثانية جاءت عبر انتخابات مجلسي الشعب والشوري التي شارك فيها أكثر من 32 مليون مصري.. والثالثة عبر انتخابات أجراها أعضاء البرلمان بغرفتيه الشعب والشوري المنتخبين. ثم مرت الجمعية التأسيسية بمراحل كثيرة عشناها جميعاً لحظة بلحظة.. حيث حلت الجمعية الأولي بحكم قضائي وتشكلت الجمعية الحالية بعد أن اتفقت القوي الفاعلة في المجتمع المصري علي معايير عضويتها وتحديد أعضائها وقد شاركتم عبر ما يقرب من 6 أشهر متصلة في صياغة مواد هذا المشروع بدرجات متفاوتة.. وكانت مناقشاتكم المستفيضة في كل الجلسات تقريباً تنقلها وسائل الإعلام علي الهواء مباشرة شاهداً علي المجهود الضخم الذي استهدف صالح الوطن ومستقبله. فلكم جميعاً أتوجه بخالص الشكر والتقدير.. ومن أراد أن يجزل لأخيه في العطاء فليقل له جزاك الله خيراً.. فجزاكم الله خيراً. إن أحداً لا يستطيع أن يوفي هذه الجمعية حقها في الثناء علي ما قامت به من عمل رغم الظروف الصعبة والضغوط المستمرة عليكم سواء من شارك منكم حتي الجلسات النهائية أو من لم يشارك حتي النهائية. وتحية خاصة للقاضي الجليل المستشار حسام الغرياني.. وعظيم التقدير لتفانيه في هذا المشروع وما تحمله برئاسته للجمعية التأسيسية الكثير والكثير. إن مشروع الدستور هو صناعة أيديكم في الجمعية وثمرة أفكاركم وحصيلة حوار مجتمعي ممتد وعميق شارك فيه كل أطياف الجماعة الوطنية المصرية في جميع ربوع مصر وخارجها مصريين في الخارج أيضا أخذت آراؤهم وتم الالتقاء وضمت هذه الآراء معكم كما أعرف وأتابع أعمالكم. تحقيق الطموحات لقد حققت مسودة الدستور التي تابعتها كما تابعها الملايين من الشعب المصري عبر وسائل الإعلام. الطموحات المأمولة في اتجاهات عديدة من بينها أنها أكدت علي سيادة الشعب وحقوق وحريات المصريين.. فالكرامة بمقتضي هذا المشروع أصبحت حقاً لكل إنسان يعيش علي أرض مصر حتي وإن لم يكن مصرياً. وهذه سابقة في كل دساتير الأرض. كما اعتمدت المواطنة كمبدأ رئيسي حاكم لكل مواد الدستور يساوي بين الجميع دون تمييز بين المصريين بسبب المعتقد أو النوع. ولأول مرة في تاريخ مصر ينتصر الدستور لإرادة الشعب. فتقلصت صلاحيات رئيس الجمهورية ولم يعد يستطيع رئيس الجمهورية حل البرلمان إلا بالاستفتاء. فإذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض وجب عليه أن يستقيل. وذلك مع صلاحيات توسيع السلطة التشريعية بغرفتيها ليس بمحاسبة القائمين علي الأمر في البلاد فحسب. ولكنها طالت أيضا آلية تعديل الدستور ذاته. وهو ما تبدي في تمكين خمس أعضاء البرلمان من اقتراح التعديلات علي الدستور. وبذلك تضع آلية تعديل ديمقراطية يشترك الشعب ممثلاً في مجلس نوابه وعبر الاستفتاء في تغيير ما يراه ضرورياً من مواد الدستور وذلك استجابة للظروف والمطالب الجديدة. فالدساتير تولد وتعيش بإرادة الشعوب.. كم كنا نحلم نحن المصريين عقوداً طويلة بأن يكون الشعب بحق مصدر السلطة وهذا ما تابعته ورأيته في النصوص التي أذكرها من مشروع الدستور. أهداف الثورة كما أحسب أن مشروع الدستور جاء معبراً عن أهداف ثورة 25 يناير المجيدة. وبالتأكيد علي العدالة الاجتماعية منه خلال ضمان حد أدني للأجور والمعاشات. كما عمل علي محاربة الفساد والاستبداد والانتصار لحرية الاعتقاد والفكر والرأي والإبداع بأشكاله المختلفة والحق في الحصول علي المعلومات وحرية الصحافة والطباعة والنشر وإصدار الصحف. وهو ما يؤسس لنظام ديمقراطي حقيقي يمكن أن يبني بحق نموذجاً متفرداً لوطننا العظيم. هذا ما نصنعه معاً بأيدينا وما سوف يقول الشعب فيه رأيه بكل حرية وشفافية.. أما الرموز الوطنية التي فضلت عدم المشاركة في الجلسات الختامية فلهم أقول: لا شك أنكم أبليتم بلاء حسناً لمشاركتكم في صياغة هذا المشروع وإنضاج مواده وإنجاح مهمة الجمعية حتي وإن اختلفت رؤيتكم في ختام هذا المشروع.. إلا أن جهدكم مقدر ولا يمكن أن يضيع أثره أو ننساه. ومهما كانت الدوافع لعدم مشاركتكم في الجلسات الختامية فإن التاريخ سيخلد موقفكم الوطني في إعداد هذا المشروع. وأقول لكم: إن أهم ما يعنينا هو أن يكون الدستور ماضياً في الاتجاه الصحيح ممهداً الطريق لتحقيق الأهداف المرجوة في بناء الوطن وطننا الكبير مصر. إننا نريد أن نتجاوز مرحلة التجاذب والاختلاف لننطلق إلي آفاق العمل الجاد المنتج.. ندرك أن هناك تحديات جساماً تنتظرنا في المستقبل في الداخل والخارج ونحن أهل لها إن شاء الله. وذلك قدر كل الشعوب الحرة وكل البنائين العظام. ومن هنا أجدد الدعوة لفتح حوار وطني جاد حول هموم الوطن بكل صراحة وتجرد لإنهاء المرحلة الانتقالية في أسرع وقت بما يضمن حماية ديمقراطيتنا الوليدة. إن مصر فخورة بأجواء الحرية والشفافية التي مارست بها الجمعية مهامها فقد نوقش مشروع الدستور تحت أعين الجميع داخل مصر وخارجها.. ويعد هذا المشروع حلقة جديدة من نجاحات ثورة الخامس والعشرين من يناير وأيضا يعد نجاحاً لشهدائها ومصابيها.. وأياً كان موقف الشعب المصري علي الاستفتاء علي هذا المشروع قبولاً أو رفضاً فلا شك أن هذا الاستفتاء سيكون لبة جديدة في بناء نظامنا الديمقراطي وممارسة عملية للتعبير عن الرأي والمشاركة في صنع مستقبل مصر الكبيرة بأبنائها جميعاً بواقعها وتاريخها وحضارتها. فالديمقراطية هي ثقافة تتراكم عبر ممارستها. وها نحن نفعل. وإنا لماضون لذلك إن شاء الله. دور شجاع للقضاة أيها السيدات والسادة.. إنني وأنا بصدد دعوة الأمة إلي الاستفتاء علي الدستور لا أنسي الدور العظيم للقضاء المصري المجيد في الإشراف علي الانتخابات والاستفتاءات التي سبق إجراؤها بكل حياد ونزاهة. ولا أغفل دوره الشجاع يوم أعلن رجاله عن تزوير الانتخابات في ظل النظام السابق متحدين بذلك قوي البطش والإرهاب.. ويقيني وبثقة كاملة أن هذا القضاء العظيم سيبقي دائماً حارس العدل ضامن الحقوق حامي الحريات يعمل الليل والنهار تقرباً إلي الله في محراب العدالة ليصل كل حق إلي صاحبه.. وأن شعاره دائماً أن القوي عنده ضعيف حتي يأخذ الحق منه.. وأن الضعيف قوي حتي يأخذ الحق له. إن هذا الوطن يقوم علي سيادة القانون وعلو الدستور وتوقير القضاء ونزول جميع مؤسسات الدولة والمواطنين كافة عند أحكامه التي هي عنوان العدالة واحترامها من اعتبارات النظام العام الذي لابد منه. كلي ثقة أن قضاة مصر الأجلاء سيكونون عوناً لوطنهم وشعبهم كما كانوا دائماً للمشاورة والرأي والفكر. وأنه لا يمكن أن ينصرف أحد خارج دائرة المشروعية القانونية. أيها السيدات والسادة.. إن العالم من حولنا ينظر إلي تجربتنا. فمنذ اللحظة الأولي للثورة المصرية شدت الثورة المصرية بإبداع شبابها وتفاني رجالها ونسائها أنظار العالم إليكم ومازالت. وينظر هذا العالم كيف سيبني المصريون مؤسساتهم ليقيموا نموذجه الديمقراطي في مصر العظيمة ويستمر عطاء المصريين الحضاري ملهماً وموحياً للعالم أجمع. خاصة لثورات الربيع العربي. والآن وبعد متابعتنا لجهود الجمعية التأسيسية وتسلم بكل حب وتقدير لمشروع الدستور من رئيس الجمعية.. وحرصاً مني علي بناء مؤسسات الوطن دون تراجع أو تباطؤ فسأصدر قراري اليوم بدعوة جموع الشعب المصري إلي الاستفتاء علي الدستور. وذلك يوم السبت الموافق 15 من ديسمبر عام .2012 يوم ديمقراطي والذي أدعو الله وأتمني أن يكون يوماً جديداً من أيام مصر الديمقراطية المستقرة إن شاء الله. وليذهب الجميع من أيد أو تحفظ.. من وافق ومن عارض. فيذهب الجميع إلي هذا الاستفتاء ليقول رأيه في هذا المشروع الدستور بكل حرية ومسئولية وشفافية. فبنا جميعاً يبني الوطن.. فالديمقراطية هي المشاركة والتعبير عن الرأي بحرية. أدعو جميع المواطنين لينظروا بكل دقة وموضوعية وتدبر في مواد هذا المشروع الذي بين أيدينا كي نحكم عقولنا ونختار بضمائرنا. إرضاء لربنا وتحقيقاً لمصلحة وطننا نختار بضمائرنا ما يصلح بلادنا ويحقق آمالنا وآمال أبنائنا وأحفادنا. ومن يأتي من بعدنا آمال عريضة لهؤلاء بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية الحقيقية والاستقرار. إنني ونحن نبدأ معاً بناء هذه المرحلة المهمة وبناء مؤسسات الدولة ونطور نظامنا السياسي أقول لشعبنا العظيم المعارض قبل المؤيد: أعينوني بقوة فيما حملتموني من مسئولية إدارة شأن الوطن.. هذه المسئولية تحتم عليّ أمام الله وأمام الشعب المصري وأمام العالم أن أمضي قدماً إلي الأمام ولا أتردد أبداً في أن أنفذ إرادة هذا الشعب الذي أعتقد يقيناً أنها بعد إرادة الله ستنجح في أن تصل بمصر إلي بر الأمان. واختتم الرئيس مرسي كلمته بالآية الكريمة: "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب". وأنهي كلمته بتوجيه الشكر مرة أخري إلي رئيس الجمعية التأسيسية وأعضائها علي إنجاز مسودة الدستور الجديد. ثم قام بمصافحة المستشار الغرياني وحيا الحضور وخرج من القاعة.